للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها: أن ابن إسحاق ذكر ما يقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بأبي سفيان في كتيبة الخضراء، فيها المهاجرون والأنصار؛ لأنه قال: بعد قوله فيقول: ما لي ولبني فلان؛ حتى مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبة الخضراء، فيها المهاجرون والأنصار؛ وذلك يخالف ما في "صحيح البخاري"؛ لأن فيه أن كتيبة الأنصار جاءت مع سعد بنم عبادة -رضي الله عنه- ومعه الراية، قال: ولم ير مثلها، ثم جاءت كتيبة أخرى هي أقل الكتائب، فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وراية النبي صلى الله عليه وسلم مع الزبير -رضي الله عنه، كذا وقع عند جميع الرواة، وروى الحميدي في كتابه: هي أقل الكتائب، وهو الأظهر كما قال الحافظ أبو الفتح ابن سيد الناس على ما أخبرت به عنه في "سيرته"، ومنها نقلت ما ذكرناه عن البخاري والحميدي، وقوله في البخاري: ثم جاءت كتيبة، وهي أقل الكتائب، فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأخرج البخاري ذلك في الباب الذي ترجم عليه بقوله: "باب أين ركز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح"١.

وذكر ابن عقبة ما يقتضي أن كتيبة الأنصار حين مروا بأبي سفيان -رضي الله عنه- كانت مع سعد بن عبادة -رضي الله عنه؛ لأنه قال: ومرت الكتائب تتلو بعضها بعضا على أبي سفيان، وحكيم، وبديل، لا ترم عليهم كتيبة إلا سألوا عنها، حتى مرت كتيبة الأنصار، فيهم سعد بن عبادة ... انتهى.

ووقع في نسختي من "مغازي" موسى بن عقبة: وابن حكيم، والصواب: وحكيم بإسقاط "بن"؛ لأن الكلام لا يستقيم إلا بإسقاط: "بن"، والله أعلم.

ومنها: أن كلام ابن إسحاق يقتضي أن المهاجرين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم حين مر بأبي سفيان -رضي الله عنه، وكلام ابن عقبة يقتضي خلاف ذلك؛ لأنه قال بعد قوله السابق: رعبه الله به، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام -رضي الله عنه- على المهاجرين، وخيلهم ... انتهى.

ومنها: أن كلام ابن إسحاق يقتضي أن أبا سفيان -رضي الله عنه- بعد أن أطلقه العباس -رضي الله عنه، أبلغ أهل مكة تأمين النبي صلى الله عليه وسلم لمن دخل دار أبي سفيان، ومن أغلق عليه بابه، ومن دخل المسجد٢.


١ عيون الأثر ٢/ ١٧٠.
٢ كان ذلك إبقاء من الرسول العظيم على مجد زعيم ألقي السلاح، وهي حكمة جليلة، ودليل تسامح ما بعده من تسامح، وهذه هي شريعة الإسلام؛ فأين منها ما يصنعه الغرب من إعدام القواد المستسلمة، ومحاكمتهم والقضاء عليهم بلا هوادة ولا رحمة، ولقد أبقى الرسول على أبي سفيان وأبقى له ظلا ظليلا يلوذ به أتباعه وجنوده.

<<  <  ج: ص:  >  >>