للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبيدة بن الجراح، هذا أمين الله على الناس. قال: فمضى أبو عبيدة في الناس، ثم أقبل النبي صلى الله عليه وسلم في الردافي، والمشاة، وضعفاء الناس؛ فلما رآهم عرف أن النبي صلى الله عليه وسلم فيهم فقال: يا عباس! هذا محمد؟ قال: نعم، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن الله -عز وجل- قد أرعبه، وأنه يسأل الأمان. قال: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن" ١ ... انتهى.

وذكر ابن عقبة ما يدل لسبب حبس أبي سفيان، حتى تمر عليه جنود الله -عز وجل- وأفاد فيما ذكره بيان الموضع الذي حبس فيه؛ وذلك لا يفهم من كلام ابن إسحاق؛ لأنه قال: فلما توجهوا -يعني أبا سفيان، وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء- ذاهبين. قال صلى الله عليه وسلم: "يا عباس إني لا آمن أبا سفيان أن يرجع عن الإسلام، فيكفر، فاردده حتى يفقه ويرى من جنود الله تعالى معك"؛ فأدركه العباس -رضي الله عنه- فحبسه. فقال أبو سفيان -رضي الله عنه: أغدرا يا بني هاشم؛ قال: ستعلم أنا لسنا نغدر، ولكن لي إليك حاجة، فأصبح حتى تنظر إلى جنود الله، وإلى ما أعد الله للمشركين. فحبسهم بالغميم٢ دون الأراك إلى مكة حتى أصبحوا، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا فنادى: لتصبح كل قبيلة قد ارتحلت ووقفت مع صاحبها عند رايته، وتظهر ما معها من العدة، فأصبح الناس على ظهر، وقدم النبي صلى الله عليه وسلم بين يديه الكتائب؛ فمرت كتيبة على أبي سفيان -رضي الله عنه- فقال: يا عباس! أفي هذه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا، قال: فمن هؤلاء؟ قال: قضاعة، ثم مرت القبائل على راياتها؛ فرأى أمرا عظيما رعبه الله به ... انتهى.

وهذا يقتضي أن يكون الغميم دون مر الظهران إلى مكة؛ لأن أبا سفيان -رضي الله عنه- حبس بالغميم ليرى ما أعز الله -تعالى- به الإسلام من الجنود، والجنود مرت عليه بالغميم؛ بعد توجهها من مر الظهران إلى مكة، فيكون الغميم بين مر الظهران ومكة.

وإنما ذكرنا ذلك؛ لأن كلام النووي يقتضي أن يكون بين مر الظهران وعسفان؛ لأنه قال: كراع الغميم -هو بضم الكاف- والغميم -بفتح الغين وكسر الميم- وهو واد بين مكة والمدينة، بينه وبين مكة مرتحلتين، وهو أمام عسفان بثمانية أميال، يضاف إليه هذا الكراع، وهو جبل أسود بطرف الحرة يمتد إليه، ونقل أن صاحب "المطالع" أنه بضم الغين وفتح الميم، ثم قال: قلت: هذا تصحيف ... انتهى.


١ أخبار مكة للفاكهي ٥/ ٢١١-٢١٣.
٢ الغميم: بفتح أوله وكسر ثانيه، كراع الغميم: إليه منسوب، وهو بجانب المراض، والمراض بين رابغ والحصفة "معجم ما استعجم ٣/ ١٠٠٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>