للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي "صحيح مسلم" ما يخالف ذلك؛ لأنه قال: وحدثني حميد بن مسعدة قال: حدثنا خالد -يعني ابن الحارث- قال: حدثنا عبد الله بن عوف، عن نافع، عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- أنه انتهى إلى الكعبة، وقد دخلها النبي صلى الله عليه وسلم، وبلال، وأسامة -رضي الله عنهما، وأجاف عليهم عثمان بن طلحة الباب قال كم فمكثوا فيه مليا١ ... انتهى باختصار. وقد سبق بكماله في "الباب التاسع"٢ من هذا الكتاب، وهذا الحديث وإن تكلم الدارقطني في رواية مسلم له؛ فإنما ذلك لأن فيه منا يقتضي أن ابن عمر -رضي الله عنهما- سأل بلالا وأسامة -رضي الله عنهم- عن موضوع صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة، قالوا هاهنا؛ وذلك يقتضي إثبات أسامة -رضي الله عنه- لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، في الكعبة يوم فتح مكة، وفي الصحيح عنه ما يخالف ذلك. والوهم في ذلك من ابن عون، والله أعلم. وقد أخرج النسائي حديث ابن عون عن محمد بن عبد الأعلى عن خالد بن الحارث بن ابن عون٣.

وأما وقوف أحد على باب البيت والنبي صلى الله عليه وسلم داخلها يوم الفتح لذب الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر الواقدي ما يقتضيه؛ لأن في الخبر الذي سبق ذكره عنه في "تاريخ الأزرقي" بعد ذكر دخول النبي صلى الله عليه وسلم البيت وصلاته فيه: قالوا: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمفتاح في يده، ووقف على الباب خالد بن الوليد -رضي الله عنه- يذب الناس عن الباب، حتى خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم٤ ... انتهى.

ومنها: أن كلام ابن إسحاق ليس فيه بيان الموضع الذي جلس فيه النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح بعد طوافه بالبيت، ودخوله بالبيت، ودخوله إليه، وخروجه منه، وخطيته على بابه، لأنه قال بعد ذكره لذلك، ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد٥ ... انتهى.

وهذا يقتضي أن يكون جلس في مؤخر المسجد أو في مقدمه، وقد أفاد في ذلك ابن عقبة ما لم يفده كلام ابن إسحاق مع أمور أخرى صنعها النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد في هذا اليوم لم يذكرها ابن إسحاق؛ فنذكر كلام ابن عقبة لما فيه من الفائدة، ونص كلامه قال: فلما قضى صلى الله عليه وسلم طوافه، وأخرجت الراحلة: سجد سجدتين، ثم انصرف إلى زمزم فاطلع فيها، وقال: "لولا أن يغلب بنو عبد المطلب على سقايتهم لنزعت منها بيدي" ثم انصرف في ناحية المسجد قريبا من مقام إبراهيم، وكان زعموا المقام لاصقا بالكعبة، فأخره رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكانه هذا، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسجل من زمزم، فشرب


١ أخرجه مسلم في صحيحه.
٢ راجع صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة، حين الفتح، في الباب التاسع من كتاب الحج في صحيح مسلم.
٣ أخرجه النسائي في سننه ٦/ ٥٢.
٤ أخبار مكة للأزرقي ١/ ٢٦٦، ٢٦٧.
٥ السيرة لابن هشام ٤/ ٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>