للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سفيان وغيره من بني أمية، إلى ولد عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بعث إليهم مسلم بن عقبة المري، وسمي مسرفا لإسرافه في القتل بالمدينة. وبعث معه اثني عشر ألفا، فيهم: الحصين بن نمير السكوني، وقيل: الكندي، ليكون على العسكر إن عرض لمسلم موت؛ فإنه كان عليلا؛ في بطنه الماء الأصفر، وأمر يزيد مسرفا إذا بلغ المدينة أن يدعوا أهلها ثلاثا، فإن أجابوه وإلا قاتلهم، فإذا ظهر عليهم أباحها ثلاثا، ثم يكف عن الناس ويسير إلى مكة لقتال ابن الزبير؛ فلما بلغ "مسلم" المدينة بمن معه، التقى مع أهلها بظاهر المدينة، فاقتتلوا، فقتل من أولاد المهاجرين ما يزيد عن ثلاثمائة نفر وجماعة من الصحابة، ودخل المدينة وأباحها ثلاثا، وكانت الوقعة بمكان يقال له: الحرة، وأقام لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وستين من الهجرة، ثم سار إلأى مكة؛ فلما كان بالمشلل١ مات، وقيل مات بثنية هرشي٢، بعد أن قدم على عسكره: "الحصين بن نمير"، فسار "الحصين" حتى بلغ مكة، لأربع بقين من المحرم سنة أربع وستين، وقد بايع أهل مكة والحجاز وغيرهم ابن الزبير، وأجمعوا عليه، وانضم إليه من انهزم من أهل المدينة، وكان قد بلغه خبر أهل المدينة مع مسلم هلال المحرم سنة أربع وستين، مع المسور بن مخرمة، فلحقه منهن أمر عظيم، واعتد هو وأصحابه واستعدوا للقتال، وقاتلوا الحصين أياما، وتحصن ابن الزبير وأصحابه في المسجد وحول الكعبة، وضرب أصحاب ابن الزبير في المسجد خياما ورقاقا يكتنون بها من حجارة المنجنيق، ويستظلون فيها من الشمس، وكان الحصين بن نمير قد نصب المنجنيق على أبي قبيس، وعلى الأحمر؛ فكان يمريهم بالحجارة، وتصيب الحجارة الكعبة فتوهنت، ودامت الحرب بينهم إلى أن فرج الله على ابن الزبير وأصحابه، بوصول نعي يزيد معاوية، وكان وصول نعيه ليلة الثلاثاء، لثلاث مضين من شهر ربيع الآخر سنة أربع وستين، وبلغ نعيه ابن الزبير قبل أن يبلغ الحصين، وبعث إلى الحصين من يعلمه بذلك، ويحسن له ترك القتال، ويعظم إليه أمر الحرام، وما أصاب الكعبة؛ فمال إلى ذلك، وأدبر إلى الشام لخمس ليال خلون من ربيع الآخر سنة أربع وستين، بعد أن اجتمع بابن الزبير في الليلة التي تلي اليوم الذي بلغه فيه نعي يزيد، وسأله ابن الزبير في أن يبايع له هو ومن معه من أهل الشام، على أن يذهب معهم أبن الزبير إلى الشام ويؤمن النساء، ويهدر الدماء التي كانت بينهم وبين أهل الحرم، فأبى ابن الزبير ذلك٣.


١ المشلل: قبل "قديد" بثلاثة أيام، وهي التي كانت عندها مناة الطاغية في الجاهلية "مناسك الحربي ص: ٤٥٨".
٢ مدينة بينها وبين ودان خمسة أميال "المرجع السابق ص: ٥٥٤".
٣ تاريخ الطبري ٥/ ٥٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>