للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبويع ابن الزبير بعد رحيل الحصين عن مكة بالخلافة بالحرمين، ثم بويع بها في العراق، واليمن، وغير ذلك، حتى كاد تجتمع الأمة عليه؛ فولي في البلاد التي بويع له فيها العمال، ودامت ولايته على مكة إلى أن قتله الحجاج -قاتله الله- في جمادى الأولى، وقيل: يوم الثلاثاء من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين من الهجرة، عن ثلاث وسبعين سنة، وبعد أن حاصره الحجاج بمن معه أزيد من نصف سنة، وهو ينتصف منهم، ويفضل عليهم في الغلب؛ لأنه كان نهاية في الشجاعة، وكذا في العبادة. وكان في اليوم الذي قتل فيه حمل على أهل الشام لما دخلوا عليه في أبواب المسجد، حتى أبلغهم الحجون. ولم يقتل حتى أدهش بآجرة رمي به وجهه ودمي؛ فعند ذلك تعاونوا عليه تعاونوا عليه وقتلوه. ولم يقتل إلا بعد أنلم يبق معه من أصحابه إلا اليسير لميلهم، عنه إلى الحجاج، وأخذهم الأمان من الحجاج، وكان ممن فعل ذلك ابناه: حمزة: وحبيب. وكان ابتداء حصار الحجاج له في ذي القعدة سنة اثنين وسبعين، وكان الحجاج في حال محاصرته لابن الزبير يرمي الكعبة بالمنجنيق من أبي قبيس، لكون ابن الزبير كان مكتنا في المسجد، وكان الحجاج نازلا ببئر ميمون، ومعه طارق بن عمرومولى عثمان، وكان عبد الملك قد أمد الحجاج بطارق، لما سأله النجدة على ابن الزبير؛ فقدم طارق في ذي الحجة، ومعه خمسة آلاف. وكان مع الحجاج ألفان -وقيل: ثلاثة- من أهل الشام، وكان الحجاج لما وصل من عند عبد الملك نزل الطائف؛ فكان يبعث منه خيلا إلى عرفة، ويبعث ابن الزبير خيلا إلى عرفة، فيقتتلون بها، فتهزم خيل ابن الزبير، وتعود خيل الحجاج بالظفر، ثم استأذن عبد الملك في منازلة ابن الزبير، فأذن له؛ فكان من الأمر ما كان.

وكان حصار الحجاج لابن الزبير ستة أشهر وسبع عشرة ليلة، على ما ذكر ابن جرير١، وصلب ابن الزبير بعد قتله منكسا على الثنية اليمنى بالحجون، وبعث رأسه إلى عبد الملك بن مروان، فطيف به في البلدان.

وولي مكة لابن الزبير في خلافته الحارث بن حاطب بن الحارث بن معمر الجمحي، على ما ذكر ابن عبد البر؛ لأنه قال في ترجمته: واستعمل ابن الزبير الحارث بن حاطب على مكة سنة ست وستين. وقيل: إنه كان يلي المساعي أيام مروان٢ ... انتهى.

ثم ولي مكة لعبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير جماعة، وهم: ابنه مسلمة بن عبد الملك، والحجاج بن يوسف الثقفي، والحارث بن خالد المخزومي -المقدم ذكره- وخالد بن عبد الله القسري، وعبد الله بن سفيان المخزومي،


١ تاريخ الطبري ٦/ ١٨٧.
٢ تاريخ الطبري ٦/ ١٩٥، ٢٠١، ٢٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>