للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسبعة أميال عراق وطائف ... وجدة عشرٌ، ثم تسع جعرانهْ

ومن يمن سبع بتقديم سينها ... فسل ربك الوهاب يرزقك غفرانهْ

وقد زد في حد لطائف أربع ... ولم يرض جمهور لذا القول رجحانهْ

والبيتان الأولان لا أعرف ناظمهما، والبيتان الآخران لجدي لأبي قاضي القضاة كمال الدين أبي الفضل محمد بن أحمد النويري الشافعي، قاضي مكة وخطيبها، وعالم الحجاز في عصره، تغمده الله برحمته، على ما وجدت في تأليف له بخط بعض مشايخنا يسمى "المعلم بدية الحر المسلم".

وبعض الناس ينشد بيت جدي الأول على غير ما ذكرناه، فيقول:

من يمن سبع بتقديم سينها ... وقد كملت فاشكر لربك إحسانهْ

وهذا هو المشهور عند الناس.

ويجمع بين هذا الاختلاف بأن يكون جدي قال ذلك على الوجهين، وكأن جدي رضي الله تعالى عنه قصد بالبيت الأول في نظمه إفادة حد الحرم من جهة اليمن، لكون ناظم البيتين الأولين لم يتعرض فيهما لحد الحرم من جهة اليمن، كما وقع للماوردي في "الأحكام السلطانية"١، والشيخ أبي إسحاق الشيرازي في "مهذبه"، وكأن جدي رحمة الله عليه قصد بالبيت الثاني من نظمه أن يفيد في حد الحرم من جهة الطائف على طريق عرفة، ما قيل من أنه أحد عشر ميلا، كما ذكره الأزرقي في تاريخه٢، وأن الراجح في حد الحرم من هذه الجهة قول من قال إنه سبعة أميال بتقديم السين على الباب كما قال الماوردي٣، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي، والنووي٤، وقلدهم جدي في رجحان ذلك.

وفي كون ذلك راجحا نظر لما سبق بيانه من بُعْدِ استقامة قولهم، خصوصا النووي رحمه الله لاضطراب كلامه في ذلك وسبب ذلك والله أعلم: تقليدهم في ذلك مع بعدهم عن المكان، وعدم اعتبارهم لذلك، ولو اعتبر كل من هؤلاء الأئمة هذا الأمر كما اعتبرناه لظهر له صحة ما قلناه، وإنما قلدوا في ذلك، فلم يستقم، وقد طال الكلام في هذا الأمر، ولكن الموجات اقتضت ذلك.

وكان شيخنا العلامة المغني المصنف المفتي كمال الدين محمد بن موسى بن عيسى الدميري المصري المكي الشافعي رحمه الله ينشد عن جدي رحمة الله تعالى عليه قوله: ومن يمن سبع، البيت، ثم يقول: الأولى أن يقال:

ومن يَمَنٍ سبع بتقديم سينها ... لذلك سيل الحل لم يَعْدُ بنيانه


١ الأحكام السلطانية "ص: ١٧٣".
٢ أخبار مكة للأزرقي ٢/ ١٣١.
٣ الأحكام السلطانية "ص: ١٦٥".
٤ تهذيب الأسماء واللغات ١ ق واللغات ١ ق ٢/ ٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>