مكة في تاسع من ذي القعدة، أو في اليوم الموفى ثلاثين منه، وقدم إلى مكة جماعة من الحجاج من الترك وغيرهم؛ فلقيهم الشريف حسن -بعسكره، وفي ليلة حسن جماعة الحجة بعث المقدم فيروز من يعلم بوصله في هذه السنة، فبعث الشريف حسن جماعة للقائه من باب الشبيكة، وكان هو قد قصد مكة من باب المعلاة، فلما رآه الموكلون بسرو باب المعلاة صاحوا وظنوه عدوا، فارتجت البلد، وظن الناس أن ما ذكر من خبر فيروز مكيدة، فقتل بعض من كان معه، ودخل البلد مكسورا، فطيب خاطره الشريف حسن، ووعده بكل جميل، وقرئ بحضوره التقليد الذي كان معه بعودة الشريف حسن وابنيه إلى ولايتهم، وسعى عند الشريف حسن في عدم التعرض لأمير الحاج؛ فأجاب إلى ذلك الشريف حسن، وشرط أن يسلم أمير الحج ما معه من السلاح وآلات الحرب، فأجاب أمير الحاج إلى ذلك بعد توقف، وشرط أن يكون برباط ربيع أجياد، إلى أن تنقضي أيام الموسم، ثم يتسلم ذلك، فأجيب إلى ما ذكر، ودخل الحجاج مكة في ثاني ذي الحجة وقت الظهر، ودخل أمير الحاج في ثالث ذي الحجة إلى مكة فطاف بالبيت، وتقدم إلى الشريف حسن بأجياد فأحسن لقاءه، وأقام بمكة إلى أن خرج منها في يوم التورية إلى متى بعد أن تقدمه طائفة من الحجاج، وبلغ الشريف حسن أن بعض ما جمعه من الأعراب عزموا على التعرض للحاج؛ فبعث إليهم من يزجرهم عن ذلك، فعصوا وتغلبوا على الحجيج، فقتلوا ونهبوا وعقروا الجمال عند المأزمين، وهو الموضع الذي تسميه الناس المضيق، وتوقف الشريف حسن هو وغالب من معه عن الحج، خيفة أن يقع بينهم وبين أمير الحج قتال، فيلحق الحجيج من ذلك مشقة، وحج ولد السيد أحمد بن حسن في نفر قليل من خواصه؛ وبسبب تخلفه عن الحج تخلف غالب أهل مكة.
وكنت ممن يسر الله له الحج في هذا العام. ولما وصلنا إلى الموضع المعروف بالمأزمين: وجدنا الجمال في معقورة، وكدنا أن نرجع من الخوف، فقوى الله تعالى العزم السليم وله الحمد، وكان مما حملنا على العزم على الرجوع: أن بعض الأشراف لقينا قريبا من المزدلفة، وأخبرنا أن الحاج في أثرهم واصل، وسبب ذلك أن الحجاج لما خرجوا من مكة في يوم التروية لم ينزلوا بمنى، وساروا إلى عرفة فنزلوا بها، وثبت عند القاضي الحنفي بمكة أن هذا اليوم هو اليوم التاسع من ذي الحجة، وكان هذا اليوم يوم التروية على رؤية أهل مكة، فاقتضى رأي أمير الحاج أن يقيم بالناس يومين بعرفة، وأن يدفع في هذا اليوم إلى أن يبلغ الأعلام التي هي حد عرفة من جهة مكة، ويرجع إليها فيقيم اليوم الثاني؛ ففعل ذلك ورأى ذلك الشرفاء، فظنوا أن الحاج سائر إلى منى.
وتعرض أهل الفساد للحاج في توجههم من عرفة إلى منى، ونهبوهم وقتلوهم وجرحوهم، وذلك في ليلة النحر، ولم نستطيع أن نبيت بالمزدلفة إلى الصباح، فرحلنا