للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك القدح؛ فحيث ما خرج عملوا به، وكانوا إذا أرادوا أن يختنوا غلاما، أو ينكحوا منكحا، أو يدفنوا ميتا، أو شكلوا في نسب أحد منهم، ذهبوا به إلى هبل، وبمائة درهم وجزور، فأعطوها صاحب القداح الذي يضرب بها، ثم قربوا صاحبهم الذي يريدون به ما يريدون، ثم قالوا: يا إلهنا، هذا فلان أردنا به كذا وكذا، فأخرج الحق فيه، ثم يقولون لصاحب القداح: اضرب، فإن خرج "منكم" كان منهم وسطا، وإن خرج عليه "من غيركم" كان حليفا، فإن خرج عليه "ملصقا" كان ملصقا على منزلته فيهم، لا نسب له ولا حلف، وإن خرج عليه شيء ما سوى هذا مما يعلمون به عملوا به، وإن خرج "لا" أخروه عامه ذلك؛ حتى يأتوا به مرة أخرى، ينتهون في أمرهم ذلك، إلى ما خرجت به القداح. وكذلك فعل عبد المطلب بابنه حين أراد أن يذبحه١.

قال محمد بن إسحاق: كان هبل من حجر العقيق، على صورة إنسان وكانت يده اليمنى مكسورة فأدركته قريش؛ فجعلت له يدا من ذهب، وكانت له خزانة للقربان، وكانت له سبعة قداح يضرب بها على الميت والعذرة والنكاح، وكان قربانه مائة بعير، وكان له حاجب، وكانوا إذا جاءوا هبل بالقربان ضربوا بالقدح وقالوا:

إنا اختلفنا فهب السراحا ... ثلاثة يا هبل فصاحا

الميت والعذرة والنكاحا ... والبرء في المرضى والصحاحا

إن لم تقله فمر القداحا٢

ما جاء في أول من نصب الأصنام وما كان من كسرها:

وبالسند المتقدم إلى الأزرقي قال: حدثني جدي، عن سعيد بن سالم، عن عثمان بن ساج قال: حدثني محمد بن إسحاق قال: إن جرهما لما طغت في الحرم، دخل رجل منهم بامرأة منهم الكعبة، ففجر بها، ويقال إنه قبلها فيها، فمسخا حجرين، اسم الرجل إساف بن بغاء، واسم المرأة نائلة بنت ذئب، فأخرجا من الكعبة، ونصب أحدهما على الصفا، والآخر على المروة؛ وإنما نصبا هناك ليعتبر بهما الناس ويزجروا عن ما ارتكبا، لما يرون من الحال الذي صارا إليها؛ فلم يزل الأمر يدرس ويتقادم، حتى صارا يمسحان، يتمسح بهما من وقف على الصفا والمروة، إلى أن صارا وثنين يعبدان؛ فلما كان عمر بن لحي أمر الناس بعبادتهما والتمسح بهما، وقال للناس: إن من كان قبلكم كان يعبدهما؛ فكان كذلك، حتى كان قصي بن كلاب، فصارا أمر الحجابة إليه،


١ الأصنام لابن الكلبي "ص: ٢٨".
٢ أخبار مكة للأزرقي ١/ ١١٧-١١٩، الأصنام لابن الكلبي "ص: ٢٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>