للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذا أمر مكة فحولهما من الصفا والمروة، فجعل أحدهما بلصق الكعبة، وجعل الآخر في موضع زمزم، ويقال: جعلهما جميعا موضع زمزم، وكان ينحر عندهما١ وكان أهل الجاهلية يمرون بإساف ونائلة ويتمسحون بهما، وكان الطائف إذا طاف بالبيت يبدأ بإساف فيستلمه؛ فإذا فرغ من طوافه ختم بنائله فاستلمها، فكان كذلك حتى كان يوم الفتح، فكسرهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع ما كسر من الأصنام٢.

وبه إلى الأزرقي قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد العزيز بن عمران، عن محمد بن عبد العزيز، عن ابن شهاب الدين، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة، وحول البيت ثلاثمائة وستون صنما، منها ما قد شد بالرصاص٣؛ فطاف -صلى الله عليه وسلم- على راحلته وهو يقول: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: ٨١] ، ويشير -صلى الله عليه وسلم- إليها، فما منهم صنم أشار إلى وجهه إلا وقع على دبره، ولا أشار إلى دبره إلا وقع على وجهه، حتى وقعت كلها.

وقال ابن إسحاق: ولما صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- الظهر يوم الفتح، أمر بالأصنام التي حول الكعبة كلها؛ فجمعت ثم حرقت بالنار وكسرت، وفي ذلك يقول فضالة بن عمر بن الملوح الليثي في ذكر يوم الفتح:

لو ما رأيت محمدا وجنوده ... بالفتح يوم تكسر الأصنام

لرأيت نور الله أصبح بينا ... والشرك يغشى وجهه الإظلام

حدثني جدي، وحدثني محمد بن إدريس، عن الواقدي، عن ابن أبي سبرة، عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن عكرمة، عن ابن أبي عباس -رضي الله عنهما- قال: ما يزيد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أن يشير بالقضيب إلى الصنم، فيقع بوجهه، ثم قال: وأمر -صلى الله عليه وسلم- بهبل فكسر، وهو واقف عليه، فقال الزبير بن العوام -رضي الله عنه- لأبي سفيان: يا أبا سفيان بن حرب، قد كسر هبل، أما إنك قد كنت منه في يوم أحد في غرور، حين تزعم أنه قد أنعم عليك، فقال أبو سفيان -رضي الله عنه: دع هذا عنك يا ابن العوام؛ فقد أرى لو كان مع إله محمد غيره لكان غير ما كان٤ ... انتهى باختصار.


١ هذه الرواية بعيدة عن المعروف عن قصي من عبادته لله على دين الحنيفية البيضاء.
٢ أخبار مكة للأزرقي ١/ ١١٩، ١٢٠، الأصنام لابن الكلبي "ص: ٢٩".
٣ في أخبار مكة ١/ ١٢١: "قد شدهما إبليس بالرصاص".
٤ أخبار مكة للأزرقي ١/ ١٢١، ١٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>