للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بخروج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مكة، فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة ينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة، فانقلبوا يوما بعد أن طال انتظارهم فلما أووا إلى بيوتهم رقى رجل من اليهود أطما من آطامهم لأمر ينظر إليه، فبصر برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه مبيضين١ فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته: يا معشر العرب هذا جدكم٢ الذي تنتظرونه، فثار المسلمون إلى السلاح، فتلقوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بظهر الحرة، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف، وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، فقام أبو بكر للناس وجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صامتا، فطفق من جاء من الأنصار ممن آمن برسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحيي أبا بكر حتى أصابت الشمس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه، فعرف الناس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند ذلك، ولما أقبل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة كان مردفا لأبي بكر وأبو بكر شيخ يعرف ونبي الله شاب لا يعرف، قال: فيلقى الرجل أبا بكر فيقول: أيا با بكر، من هذا الرجل الذي بين يديك، فيقول: هذا الرجل الذي يهديني السبيل فيحسب الحاسب أنه يعني الطريق وإنما يعني سبيل الخير، ولبث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسس المسجد الذي أسس على التقوى وصلى فيه، ثم ركب راحلته فصار يمشي معه الناس حتى بركت عند مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين، وكان مربدا٣ للتمر لسهيل وسهل؛ غلامين يتيمين في حجر أسعد بن زرارة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين بركت به راحلته: "هذه إن شاء الله المنزل"، ثم دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالغلامين فساومهما بالمربد؛ ليتخذه مسجدا فقالا: بل نهبه لك يا رسول الله، فأبى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما ثم بناه مسجدًا.

وعن عبد الرحمن بن يزيد بن حارثة قال: لما نزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على كلثوم بن الهرم وصاح كلثوم بغلام له يا نجيح، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أنجحت يا أبا بكر"، وعن ابن عباس أقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقباء يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس وركب من قباء يوم الجمعة، فجمع في بني سالم فكانت أول جمعة جمعها في الإسلام، وكان يمر بدور الأنصار دارا دارا فيدعونه إلى المنزل والمواساة، فيقول لهم خيرا ويقول: "خلوها؛ فإنها مأمورة" حتى انتهى إلى موضع مسجده اليوم، وكان المسلمون قد بنوا مسجدا يصلون فيه، فبركت ناقته ونزل، وجاء أبو أيوب الأنصاري فأخذ رحله وجاء أسعد بن زرارة فأخذ بزمام راحلته فلما خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المسجد تعلقت به الأنصار فقال: "المرء مع رحله"، فنزل على أبي أيوب الأنصاري خالد بن يزيد بن كليب ومنزله في بني غنم بن النجار.


١ أي عليهم الثياب البيض.
٢ أي حظكم.
٣ المربد: موضع يجفف فيه التمر، ويقال له: مسطح.

<<  <  ج: ص:  >  >>