قال: فسلمت عليه، ثم انصرفت، فجلست عند الباب، فقلت: لأكونن بواب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اليوم، فجاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه فدفع الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: أبو بكر، فقلت: يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن، فقال:"ائذن له وبشره بالجنة"، قال: فأقبلت حتى قلت لأبي بكر: ادخل ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبشرك بالجنة، قال: فدخل أبو بكر، فجلس عن يمين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معه في القف، ودلى رجليه في البئر كما صنع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكشف عن ساقيه، ثم رجعت فجلست، وقد تركت أخي يتوضأ ويلحقني، فقلت: إن يرد الله بفلان خيرا -يريد أخاه- يأتِ به فإذا إنسان يحرك الباب فقلت: من هذا؟ فقال: عمر بن الخطاب، فقلت: على رسلك ثم جئت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسلمت عليه وقلت: هذا عمر بن الخطاب يستأذن، فقال:"ائذن له وبشره بالجنة" فجئت عمر فقلت: ادخل ويبشرك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالجنة، قال: فدخل فجلس مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم في القف ثم رجعت فجلست، فقلت: إن يرد الله بفلان خيرا -يعني أخاه- يأت به، فجاء إنسان فحرك الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: عثمان بن عفان فقلت: على رسلك قال: وجئت النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته فقال:"ائذن له وبشره بالجنة مع بلوى تصيبه"، قال: فجئت وقلت: ادخل ويبشرك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالجنة مع بلوى تصيبك، قال: فدخل فوجد القف قد ملئ فجلس وجاههم من الشق الآخر.
وقد أخرج البخاري في صحيحه هذا الحديث فزاد فيه ألفاظا ونقص، وقال: فدخل عثمان فلم يجد معهم مجلسا، فتحول حتى جاء مقابلهم عن شقة البئر فكشف عن ساقيه ثم دلاهما في البئر؛ وقال البخاري: قال سعيد بن المسيب: فتأولت ذلك قبورهم اجتمعت ههنا وانفرد عثمان.
وروى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اتخذ خاتما من ورق، أي فضة، وكان في يده ثم كان في يد أبي بكر ثم كان بعد في يد عمر ثم كان في يد عثمان حتى وقع منه في بئر أريس.
وروى البخاري في الصحيح من حديث أنس قال: كان خاتم النبي -صلى الله عليه وسلم- في يده وفي يد أبي بكر وبعده وفي يد عمر بعد أبي بكر فلما كان عثمان جلس على بئر أريس فأخرج الخاتم فجعل يعبث به فسقط، قال: فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان ننزح البئر فلم نجده.
قلت: وهذه البئر مقابلة مسجد قباء وعندها مزارع ويستقى منها، وماؤها عذب، وذرعتها فكان طولها أربعة عشر ذراعا وشبرا، منها ذراعان ونصف ماء، وعرضها خمسة أذرع وطول قُفِّها الذي جلس عليه النبي -صلى الله عليه وسلم، وصاحباه ثلاثة أذرع تشف كفًّا، والبئر تحت أطم عالٍ خراب من حجارة.