بين الساريتين ثم يعلق الأقناء على الحبل، ويجمع العشرين أو أكثر، فيهش عليهم بعصاه من الأقناء فيأكلون حتى يشبعوا ثم ينصرفون، ويأتي غيرهم فيفعل لهم مثل ذلك فإذا كان الليل فعل لهم مثل ذلك.
ذكر العود الذي في الأسطوانة التي عن يمين القبلة:
روى أهل السير عن مصعب بن ثابت قال: طلبنا علم العود الذي في مقام النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم نجد أحدا يذكر لنا منه شيئا حتى أخبرني محمد بن مسلم بن السائب صاحب المقصورة أنه جلس إلى جنبه أنس بن مالك فقال: تدري لم صنع هذا العود؟ قلت: لا أدري، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يضع عليه يمينه ثم يلتفت إلينا، فيقول:"استووا وعدلوا صفوفكم"، فلما توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سرق العود، فطلبه أبو بكر فلم يجده حتى وجده عمر عند رجل من الأنصار بقباء، وقد دفن في الأرض فأكلته الأرضة فأخذ له عودًا فشقه، ثم أدخله فيه ثم شعبه ورده إلى الجدار، وهو العود الذي وضعه عمر بن عبد العزيز في القبلة، وهو الذي في المحراب اليوم باقٍ، وقال مسلم بن حباب: كان ذلك العود من طرفاء الغابة.
ذكر مواضع اعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم:
روى أهل السير أن ابن عمر قال: كان النبي إذا اعتكف طرح له فراشه ووضع له سرير بأسطوانة التوبة.
ذكر أسطوانة التوبة:
قال ابن إسحاق: لما حاصر رسول الله بني قريظة بعثوا إليه أن ابعث لنا أبا لبابة بن عبد المنذر أخا بني عمرو بن عوف -وكانوا حلفاء الأوس- نستشيره في أمرنا، فأرسله رسول الله إليهم، فلما رأوه قام إليه الرجال، وأجهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه، فرق لهم فقالوا له: يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد؟ قال: نعم، وأشار بيده إلى حلقه أنه الذبح، قال أبو لبابة: فوالله ما زالت قدماي حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله، ثم انطلق أبو لبابة على وجهه، ولم يأت رسول الله حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده، وقال: لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله على ما صنعت، وعاهد الله أن لا يطأ بني قريظة أبدًا، فلا تراني ولا يراني الله في بلد خنت الله ورسوله فيه أبدًا، فلما بلغ رسول الله خبره وأبطأ عليه وكان قد استبطأه قال:"أما لو جاءني لاستغفرت الله له، فأما إذا فعل فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه"، فأنزل الله توبته على رسول الله وهو في بيت أم سلمة، قالت أم سلمة: فسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من السحر يضحك فقلت: مم تضحك يا رسول الله؟ أضحك الله سنك قال:"تيب على أبي لبابة"، فقلت: ألا أبشره بذلك يا رسول الله؟ قال:"بلى إن شئت"، قال: فقامت على باب حجرتها وذلك قبل أن يضرب