الحجاب فقالت: يا أبا لبابة أبشر؛ فقد تاب الله عليك، قال: فثار الناس؛ ليلقوه قال: لا والله حتى يكون رسول الله هو الذي يطلقني بيده، فلما مر عليه خارجا إلى صلاة الصبح أطلقه، وأنزل الله فيه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[الأنفال: ٢٧] قال إبراهيم بن جعفر: السارية التي ارتبط إليها ثمامة بن أثال الحنيفي هي السارية التي ارتبط إليها أبو لبابة، وروى خالد بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر بن عمر بن حزم أن أبا لبابة ارتبط بسلسلة ربوص، والربوص: الثقيلة، بضع عشرة ليلة حتى ذهب سمعه فما يكاد يسمع وكاد بصره يذهب وكانت ابنته تحله إذا حضرت الصلاة، وإذا أراد أن يذهب لحاجته حتى يفرغ ثم تأتي به فترده في الرباط كما كان، وكان ارتباطه ذلك إلى جذع في موضع الأسطوانة التي يقال لها أسطوانة التوبة، وروي عن محمد بن كعب القرظي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي أكثر نوافله إلى أسطوانة التوبة، قلت: وهذه الأسطوانة الثانية عن يمين حجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- التي كان يصلي إليها في الصف الأول خلف أمام الروضة وهي معروفة.
ذكر أسطوانة النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يصلي إليها:
روى الزبير بن حبيب أن الأسطوانة التي بعد أسطوانة التوبة إلى الروضة وهي الثالثة من المنبر ومن القبر ومن رحبة المسجد ومن القبلة وهي متوسطة في الروضة، صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- إليها المكتوبة بضع عشرة ثم تقدم إلى مصلاه اليوم، وكان يجعلها خلف ظهره، وأن أبا بكر وعمر والزبير وابنه عبد الله وعامر بن عبد الله كانوا يصلون إليها، وأن المهاجرين من قريش كانوا يجتمعون عندها؛ وكان يقال لها مجلس المهاجرين، وقالت عائشة رضي الله عنها فيها: لو عرفها الناس لاضطربوا على الصلاة عندها بالاسم، فسألوها عنها، فأبت أن تسميها، فأصغى إليها ابن الزبير فسارَّته بشيء، ثم قام فصلى إلى التي يقال لها أسطوانة عائشة، قال: فظن من معه أن عائشة أخبرته أنها تلك الأسطوانة وسميت أسطوانة عائشة، وأخبرني بعض أصحابنا عن زيد بن أسلم قال: رأيت عند تلك الأسطوانة موضع جبهة النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم رأيت دونه موضع جبهة أبي بكر ثم رأيت دون موضع جبهة أبي بكر موضع جبهة عمر رضي الله عنهما، ويقال: إن الدعاء عندها مستجاب.
ذكر أسطوانة النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يجلس إليها إذا جاءه الوفود:
روى ابن أبي فديك عن غير واحد من مشايخه أن الأسطوانة الثالثة من قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي التي تلي الرحبة وهي خلف أسطوانة علي بن أبي طالب التي خلف أسطوانة التوبة كان النبي يجلس إليها لوفود العرب إذا جاءته، قلت: إذا عددت الأسطوان الذي فيه مقام جبريل كانت الثالثة.