تقع في المجال الذي تجتاحه قوات وادي الرافدين في طريق غاراتها المعتاد على المنطقة السورية. من جهة أخرى فإن السبئيين الذين أغاروا على منطقة عوص لا يمكن أن يكونوا قوات مملكة سبأ التي كانت في اليمن، فلا يعقل أن يتكبد هؤلاء مشقة اختراق شبه الجزيرة من جنوبيها إلى شماليها لكي يغيروا على منطقة يأخذون منها عددًا من البقر والأتن. وإذن فسبأ المقصودة هنا هي مستوطنة سبأ التي أقامها السبئيون في شمالي شبه الجزيرة والتي يرد ذكرها في عدد من النصوص الآشورية٣١. وهكذا نستطيع أن نقول: إن منطقة "عوص" المذكورة هي منطقة تقع في البادية الشمالية من شبه الجزيرة والتي تمتد بين وادي الرافدين والمنطقة السورية، وأن الحادثة التي ترويها التوراة تمثل نوعا من الاحتكاكات التي كانت تحدث بين البدو والمناطق المستقرة التي يوجدون على تخومها وأن الحدث المذكور قد يكون نوعا من الغارات التأديبية على هؤلاء البدو لسبب أو لآخر.
وقد ذهب بعض المعلقين، سواء من القدامى أو المحدثين، ومن بينهم ابن عزرا، العالم اليهودي الذي عاش في القرن الثاني عشر، إلى أن أيوب وقومه كانوا من العرب، استدلوا على ذلك بما وجدوه في بعض الأسماء والألفاظ والتعابير التي وردت في سفر أيوب الذي يضم هذا الحدث، وهي تشير في رأيهم إلى أثر عربي واضح, بل إن بعض الباحثين ذهبوا إلى أن هذا السفر ربما كان ترجمة لأصل عربي مفقود، وعلى أي حال فالذي يهمنا في الموضوع هو أن المنطقة التي عاش فيها قوم أيوب تقع في شبه الجزيرة
٣١ عن بداية حكم الكلدانيين في وادي الرافدين راجع: GeORGE ROUX: ANCIENT IRAQ، صفحات ٣٣٨ وما بعدها. عن إشارة النصوص الآشورية إلى سبأ الموجودة في الشمال راجع القسم الأول من هذا الباب، وتجدر الإشارة هنا أن بوسعنا أن نحدد تاريخ هذا السفر استنادا إلى تاريخ قيام حكم الكلدانيين في وادي الرافدين "الفقرة التالية لعام ٦١٢ ق. م".