منطقة حضر وكانت النظرة إليها في العصور القديمة دائما بهذا الوصف الحضري رغم وجود بعض المناطق البدوية فيها بالضرورة، وسكانها يذكرون في التوراة على أنهم "سبئيون من أرض بعيدة" كما سنرى في مناسبة مقبلة، وحتى إذا دخلنا في باب الافتراض الجدلي فإن اليمنيين لا يمكن أن يكونوا هم المقصودون فليس هناك أي احتمال لاشتراك بدو اليمن مع الفلسطينيين في مهاجمة مملكة يهوذا لا من جانب المصلحة المشتركة ولا من جانب جوار "غير موجود" بينهما. أما فيما يخص الرأي الثاني الذي يجد في هؤلاء العرب القريبين من الكوشيين عربا من سيناء "على اعتبار أن المصريين هم الكوشيون" فالاحتمال ضعيف، إذ إن الألفاظ الدالة على المصريين وعلى أرض مصر واردة ومتكررة في التوراة ولو كان العرب المقصودون في النص هم عرب سيناء لأشارت التوراة إلى المصريين بالتحديد وليس إلى الكوشيين، وإذن يبقى هناك تفسيران محتملان، أولهما أن العرب المقصودين بهذا الوصف هم من جيران الفلسطينيين بحكم ظرف الحادث الوارد في النص ولكنهم كانوا من القبائل اليمنية المهاجرة إلى الشمال والتي عاشت في الشمال حياة بدوية. وأما التفسير الثاني، وهو الأبسط والأرجح في رأيي، فهو أن يكون الوصف مجرد استخدام مجازي للفظة "الكوشيين" وكان النص يريد أن يقول: إن الفلسطينيين لم يكونوا وحدهم في الهجوم وإنما كانت معهم قبائل بدوية "من كل حدب وصوب" أو "من كل فج عميق" أو من "آخر الدنيا" وهي صيغة مبالغة في التعبير واردة في اللغات السامية٣٤.
ونحن في الواقع نستطيع أن ندرك السبب الذي من أجله تم هذا التحالف بين هذه القبائل العربية القريبة من مملكة يهوذا وبين الفلسطينيين إذا رجعنا إلى
٣٤ راجع عن الهجرات من اليمن وأسبابها الباب الثاني "الساميون وشبه الجزيرة والعرب" من هذه الدراسة. راجع عن المبالغات، ما جاء من مبالغات الأعداد في النصوص الآشورية في الباب الرابع الخاص بالآثار والنقوش في هذه الدراسة.