الفرثيين "الفرس" جيران للعرب الميامين، وقد أطلقت عليهم هذه التسمية لأنهم أثرياء سواء فيما يخص ثمار الحقول أو قطعان الماشية أو التمر أو أنواع الطيوب المختلفة. ويطل قسم كبير من حدودهم على البحر الأحمر من ناحية اليمين "بالنسبة للقادم جنوبا سواء من سورية حيث موطن المؤرخ أو من روما حيث كان يقيم" بينما يحدهم البحر الفارسي من اليسار. والناس "في هذه البلاد" يعرفون كيف يحصلون على كل الميزات من هذين العنصرين "البحرين". وعلى هذين الساحلين توجد مواضع كثيرة لرسوِّ السفن وموانئ آمنة كثيرة ومدن تجارية مستمرة في خط لا ينقطع، وقصور ملكية على قدر كبير من الفخامة والزخرف، وعيون من المياه الحارة بطبيعتها والتي تهب المرء الصحة، وعدد كبير من الأنهار والجداول. وأخيرا فإن الجو هناك صحي لدرجة أنهم، في نظر أي شخص له حكم صائب، لا ينقصهم شيء من مقومات السعادة الغامرة، كذلك فهناك عدد كبير من المدن سواء على الساحل أو في الداخل ذات سهول ووديان غنية" ي.
وواضح هنا اهتمام المؤرخ ليس بإعطاء صورة مفصلة لاقتصاديات شبه الجزيرة أو حتى جغرافيتها الدقيقة على نحو التفصيل الذي رأيناه عند مؤرخي وجغرافيي المرحلة المبكرة من العصر الإمبراطوري الروماني من أمثال سترابون وبلينيوس وبطلميوس الجغرافي أو حتى من أتى قبلهم من الكتاب الكلاسيكيين، بل إنه يخطئ في ذكره لوجود عدد كبير من الأنهار والجداول، فشبه الجزيرة العربية لا توجد بها أنهار أو جداول على الإطلاق ومن المرجح أن ما يقصده أميانوس بذلك هو الوديان التي تملؤها مياه الأمطار في موسم المطر. وإنما يستهدف المؤرخ