للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأخرى١. بل لعل الشعر الجاهلي كان أوفر حظًَّا من شعر هوميروس فيما يخص إمكانات التمحيص عن طريق المقارنة، فلم يكن هناك في العصر الذي تغطيه أشعار هوميروس في العصر المبكر من ظهور المجتمع اليوناني مؤرخون معاصرون يمكن الاعتماد في المقارنة على ما تركوه لنا من كتابات، وما وجد من نقوش قليلة لم يمكن التوصل إلى مدلول حروفها إلا خلال السنوات القليلة الماضية وبشكل غير مستقر٢. وهكذا لم يكن أمام مؤرخي الحضارة اليونانية إلا الاعتماد على الآثار بشكل أساسي في هذه المقارنة. أما الشعر الجاهلي فلدينا للتحقق مما أشار إليه أو جاء فيه مصادر أخرى إلى جانب الآثار، من بينها النقوش وكتابات المؤرخين والجغرافيين والرحالة والموسوعيين اليونان والرومان ومن بينها القرآن الكريم والحديث الشريف والتوراة والتلمود على سبيل المثال. وكلها تعيننا على تمحيص هذا الشعر وتحقيقه والتأكد من المعلومات التي يقدمها لنا.


١ شعر أو أشعار هوميروس تسمية تطلق على مجموعة من الأشعار اليونانية قيلت عبر فترة تزيد على ثلاثة قرون تمتد من الربع الأول للقرن الثاني عشر ق. م. إلى أواسط القرن التاسع ق. م. وقد جمع هذه الأشعار في هذا التاريخ الأخير شاعر يحيط به الغموض "وربما شاعران" -حسبما تدلنا مجموعة قرائن تاريخية وأثرية- وصاغها في صورة ملحمتين هما الإلياذة التي تروي قصة هجوم على مدينة اليون بمنطقة طروادة في القسم الشمالي الغربي من آسيا الصغرى، والأوديسية التي تروي مغامرات أحد القادة اليونانيين "وهو أوديسيوس" خلال عودته من طروادة إلى مدينة أثاكة على الشاطئ الغربي لبلاد اليونان. ولكن اليونان القدامى درجوا على أن ينسبوا هذه الأشعار إلى شاعر أطلقوا عليه اسم هوميروس. وبهذا المفهوم ستكون إشاراتي إلى أشعار هوميروس في هذا الحديث. راجع: لطفي عبد الوهاب يحيى: هوميروس، تاريخ حياة عصر، الأسكندرية، ١٩٦٨، صفحات ١-٤٠.
٢ تعرف هذه الكتابة باسم Linear B وهي الكتابة التي عرفتها بعض مناطق العالم اليوناني في الفترة المبكرة قبل أن يتعرفوا في أواسط القرن التاسع ق. م. بشكل ضيق على الكتابة الجديدة التي بدأت تشيع تدريجيًّا ابتداء من القرن التالي لتصبح فيما بعد هي الكتابة المستخدمة في العصر الكلاسيكي.

<<  <   >  >>