للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دون أن يشتروا منهما شيئا في مقابل ذلك٢٤. وربما كان بلينيوس مبالغًا بعض الشيء فيما وصف به العرب من عدم استيراد أي شيء، ولكن يبدو فعلا أن وارداتهم لم تكن كثيرة، فنحن لا نسمع شيئا كثيرا عنها في علاقاتهم مع الآشوريين أو البابليين أو الفرس، أو في العصر اليوناني الروماني، وحين نبدأ نسمع شيئا عن ذلك في الشعر الجاهلي في القرن السادس الميلادي فهو لا يزيد كثيرا على بعض السيوف من الهند أو بعض الأقمشة الثمينة أو الموشاة من العراق والشام٢٥، وربما كانت هناك كماليات أخرى مماثلة لم يرد إلينا ذكرها, ولكن تبقى في النهاية حقيقة ثابتة هي أن صادرات العرب كانت أكثر بكثير من وارداتهم، فالسلعتان الأساسيتان في العالم القديم وهما الحبوب والطيوب كانت إحداهما وهي الطيوب متوفرة لديهم، وكانت الأخرى وهي الحبوب متوفرة في منطقة اليمن وبعض الواحات، بينما لم يكن باقي سكان شبه الجزيرة يعتمدونها كمادة غذائية أساسية كما مر بنا في مناسبة سابقة.

وفي الواقع فإن الثروة التي عرفتها بعض مناطق شبه الجزيرة العربية قد أدت ببعض الكتاب الكلاسيكيين إلى قدر من المبالغة في تقدير مظاهر هذه الثروة، كما فعل أجاثارخيدس agatharchides في وصفه المسهب لحياة البذخ عند السبئيين، وكما فعل أرتميدوروس ARTEMIDOROS حين ذكر أن الجرهائيين "أهل جرهاء على شاطيء الخليج" والسبئيين "قد أصبحوا، بسبب تجارتهم،


٢٤ plinius: HN, VI, ١٦٢.
٢٥ الأقمشة العراقية ترد, على سبيل المثال، في بيت لامرئ القيس، راجع شيخو والبستاني: ذاته، قصيدة "يوم صيد" بيت ٣:
جعلن حوايا واقتعدن قعائدا ... وحففن من حوك العراق المنمق
عن الأقمشة السورية الموشاة الآتية من أنطاكية, كذلك امرؤ القيس، راجع البيت الثاني من حاشية ١٣ أعلاه.
عن السيوف اليمانية، على سبيل المثال، بيت للشاعر تأبط شرا "القرن السادس الميلادي" في شيخو والبستاني: ذاته، قصيدة الشاعر والغول بيت ٤:
فشدت شدة نحوي فأهوى ... لها كفي بمصقول يماني

<<  <   >  >>