الآن لطريق بين مكة ووادي الرافدين. وعند حائل في وسط المسافة تقريبا تتفرع الطريق إلى فرعين في هذا الاتجاه، أحدهما يصل إلى مصب الفرات مارًّا بموقع "بُرَيْدة" والآخر يصل إلى بابل مارًّا بعدد من المواقع أو بقربها مثل "السِّفن"، و"فيد". وقد أصبح هذا الفرع الأخير طريقًا رئيسة للحج والتجارة في العصر الإسلامي تحت اسم "درب زبيدة""الذي كان يصل إلى المتحف بجوار بابل"، ولكن يبدو مؤكدا أنه كان موجودا ومستخدما قبل ظهور الإسلام، ففي "فيد" توجد آثار يطلق عليها الآن اسم "خرائب قصر جراش" يعتقد أنها تشكل موقع مدينة كانت قائمة في عصر ما قبل الإسلام. وأما السفن -بكسر وتشديد السين- فهي تقع في وادٍ صغير "في سفح جبل أجا إلى الشمال الشرقي من حائل" وقد اكتشفت بها آثار أحواض وقنوات مائية قديمة كانت تستخدم لتصريف مياه الوادي وسقي المزارع، ويستدل من النقوش الموجودة على جبل أجا -الذي تقع عند سفحه- على أن الموقع يعود تاريخه إلى القرن الخامس ق. م. ومثل هذا الوادي بمزارعه وأحواضه وقنواته دليل استقرار يشير إلى أنه موقع صالح لأن يكون محطًّا من محاطِّ طرق القوافل في العصر القديم٤٠.
ويبدو أن طريق مكة، وادي الرافدين لم تكن طريقًا قديمة لها من الشهرة ما كان للطرق الأخرى التي اهتم بها رواد المنطقة أو الذين كتبوا عنها من الجغرافيين والكتاب الكلاسيكيين الأوائل، فنحن لا نسمع عنها حتى عهد بلينيوس الذي كتب في أواسط القرن الأول الميلادي بينما نسمع عن الطريق الجنوبية الشمالية الموصلة بين قتبان وسبأ وحضرموت من جهة وأيلة وغزة من جهة أخرى، وعن الطريق الموصلة بين هذه المناطق وجرهاء. ولكنا نبدأ في التعرف عليها في النصف الأول من القرن الثاني الميلادي حين نراها