للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شبه الجزيرة كمملكة تابعة للملك اليمني حسان بن تبَّع الحميري، وكان قيامها، فيما أرجح, يشكل نوعًا من حصول الملك اليمني على منطقة نفوذ قريبة من إمارتي اللخميين والغساسنة كإجراء لازم في ضوء الصراع الفارسي البيزنطي الذي لم يقتصر على الحدود المباشرة بين هاتين الإمبراطوريتين، وإنما اتسعت دائرته لتشمل المناطق التي تمر بها الخطوط التجارية البرية والبحرية التي تصل إلى الإمبراطوريتين ومن ثم وجدت منطقة اليمن نفسها منساقة إلى الاشتراك بشكل أو بآخر في هذا الصراع وإلى اتخاذ بعض المواقف إزاءه.

وقد بدأ ظهور مملكة كندة حين عين الملك الحميري في الربع الأخير من القرن الخامس "حوالي ٤٨٠م" أحد رؤساء قبيلة كندة وحو حُجْر آكل المرر حاكمًا على بعض القبائل العربية الموجودة في وسط شبه الجزيرة والتي كان الملك الحميري قد غزاها في فترة سابقة. وفي مجال العمل السياسي في هذا الصراع المثلث بين القوى الدولية استطاع أحد ملوك كندة وهو الحارث بن عمرو أن يسيطر على الحيرة بعد موت الإمبراطور الفارسي قباذ، ولكن المنذر الثالث، ملك الحيرة، تمكن من استعادة إمارته "في ٥٢٩م" وأعدم الحارث ونحو خمسين من زعماء مملكة كندة، ليحل بعد ذلك في هذه المملكة نوع من التفكك وضع نهاية لوجودها السياسي. ورغم أن أحد أمراء هذه القبيلة، وهو امرؤ القيس، حاول أن يعيد كيان هذه المملكة بمساعدة الإمبراطور البيزنطي معتمدًا على العداء بين هذا الإمبراطور والإمبراطور الفارسي الذي كانت إمارة الحيرة تابعة له، إلا أن لعبة الدول الكبرى كانت أوسع من طموحه، وهكذا لم يحصل على المساندة المنشودة وباءت هذه المحاولة بالفشل. ولكن رغم اندثار مملكة كندة بعد فترة وجيزة من ظهورها إلا أن قيامها في حد ذاته، رغم قصر مدته، كانت له في رأي أحد الباحثين المعاصرين قيمة أساسية من حيث إنها كانت سابقة لاتحاد قبائل وسط شبه الجزيرة العربية،

<<  <   >  >>