للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أوجدت تصور الوحدة في هذه المنطقة ومن ثم كانت سابقة مهدت الطريق أمام توحيد المنطقة بعد ظهور الدعوة الإسلامية٩.

هذا عن النوع الثاني من التكوينات السياسية التي عرفتها شبه جزيرة العرب قبل الإسلام، وهو النوع الذي انتشر أساسًا في القسم الشمالي منها، أما النوع الثالث من هذه التكوينات فقد كانت تشكله الملكيات أو الممالك التي قامت في جنوبي شبه الجزيرة. وقد كان الأساس الذي قامت عليه هذه الملكيات أكثر ثباتًا واستقرارًا وأقل اعتمادًا على الظروف العارضة من الإمارات والممالك الشمالية. فبينما كانت هذه الأخيرة تقوم في المناطق الصحراوية وتعتمد على أساس من تجارة العبور التي تعتمد على الموقع التجاري ومن التوازن الدولي بين القوى الكبيرة المتصارعة في شرقي شبه الجزيرة وغربيها، ومن ثم تزدهر وتقوى إذا ظلت الخطوط التجارية في مكانها وعلى أهميتها وإذا ظل التوازن الدولي مواتيًا، نجد أن الأساس الذي قامت عليه ممالك الجنوب يختلف عن ذلك اختلافا جذريا, فقد عرفت هذه الممالك الجنوبية مساحات ممتدة من الأراضي الخصبة وقدرًا كافيًا ومنتظمًا من الأمطار الموسمية الغزيرة، وهكذا عرفت الأساس الاقتصادي الزراعي المستمر، بل لقد كان السكان لا يكتفون بالأراضي السهلية فيزرعون محصولاتهم على "الأجلال" أو المدرجات التي يسوونها على جوانب الجبال١٠.

كذلك عرفت المنطقة مساحات واسعة من الغابات الطبيعية والنباتات التي تنتج الطيوب والتوابل، وهي سلعة لم يكن للعالم القديم غناء عنها -الأمر الذي زاد من استقرار المورد الاقتصادي. أما المورد الذي شكل القسم الثاني من هذا الأساس الاقتصادي فهو ما سبقت الإشارة إليه في مناسبة سابقة وهو


٩ GUIDI: ذاته، صفحات ٢٨-٣٠.
١٠ راجع الباب الثالث الخاص بملامح شبه الجزيرة في هذه الدراسة.

<<  <   >  >>