في الآفاق وخاصة في الكوفة وخراسان، وما زال يوالي الدعوة، حتى توفِّي، فخلفه وصيُّه وابنه إبراهيم، ولما طلبه الأمويون وأيقن بالهلاك أوصى لأخيه أبي العباس السفاح، وبعد مغامرات ومخاطرات جَمَّة استطاعت الجيوش الخراسانية بقيادة قحطبة وابنه الحسن القضاء على الدولة الأموية، واتخذ السفاح الهاشمية بالقرب من الكوفة حاضرة له. ولم تطل مدته فخلفه أبو جعفر المنصور، ويُعَدُّ المؤسس الحقيقي للدولة العباسية، وقد ثار عليه عمه عبد الله؛ فقضى على ثورته أبو مسلم الخراساني ولم يلبث هو أن قضى على أبي مسلم إذ استدرجه إلى "المدائن" وقتله. وفي هذه الأثناء كان العلويون يرون العباسيين اغتصبوا دولتهم؛ إذ كانوا يظنون أن الخراسانيين يعملون من أجلهم وأن العباسيين صرفوهم عنهم بخبثهم ومكرهم، فثاروا أولًا في الحجاز بقيادة محمد بن عبد الله بن الحسن ثم ثاروا في البصرة بقيادة أخيه إبراهيم، واستطاع المنصور أن يقضي على الثورتين، جميعًا، ولما تم له الظفر بأعدائه فكر في أن يبتعد عن الكوفة مستقر الشيعة والعلويين؛ فاختار قرية صغيرة على الضفة اليسرى من دجلة تسمى "بغداد" لتكون حاضرة دولته وأقام فيها قصورًا لنفسه وحاشيته، كما أقام فيها دواوين دولته، واجتذب إليها التجار والعلماء. وبنى لجيشه معسكرًا على الضفة اليمنى، وأطلق عليها اسم دار السلام؛ ولكن اسمها القديم هو الذي ذاع وشاع.
وعلي هذا النحو استقر العباسيون في بغداد، ولم تقم للشيعة قائمة بعد المنصور. وكذلك الشأن في الخوارج فإن حروب الأمويين طحنتهم، ولم نعد نسمع بثوراتهم في العراق إلا مشاغبات ضئيلة، سرعان ما تخمد، وانتقلوا بنشاطهم إلى بلاد المغرب حيث لا تزال لهم بقايا هناك إلى اليوم. وقد يكون السبب في ذلك أن العرب خوارجَ وغير خوارج في هذا العصر دحرتهم الجيوش الخراسانية فعادت فلولهم إلى الصحراء، ولم تعد الدولة العباسية تشهد في العراق معارضة سياسية على نحو ما كان الأمر في عصر بني أمية. وليس معنى ذلك أن الشيعة عدموا من يتشيع لهم من الشعراء. فقد كان هناك من يتشيعون لهم، غير أن كثيرين من شيعتهم لم يجدوا بأسًا في أن ينضووا تحت لواء العباسيين، فقد رجع الحق بهم إلى أهله