للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل الثاني: الثقافة والتصنع]

[المتنبي نشأته وحياته وثقافته]

...

الفصل الثاني: الثَّقَافَةُ والتَّصْنِيعُ

أنامُ ملءَ جفوني عن شواردها ... ويسهر الخلق جراها ويختصم

المتنبي

١- المتنبي نشأتُهُ وحياتُهُ وثقافتُهُ:

رأينا الشعر العربي في القرن الرابع وما بعده يصيبه تصنع شديد؛ فقد أخذ الشعراء يبدئون ويعيدون في الخواطر الموروثة والأفكار المطروقة، وكأنما سدَّت أمامهم جميع الطرق التي يمكن أن يجتازوها إلى مراحل فنية جديدة، فراحوا يعقدون في وسائل التصنيع القديمة أو يستعينون بوسائل من التكلف للثقافة، ولكن هذه الوسائل قلما أحدثت في الفن طرافة. هي أوانٍ جديدة، ولكن ليس فيها نقش ولا زخرفة ولا ما يضفي على الشعر جمالًا، ولعل أهم شاعر يصور لنا تعلق الشعراء بها في القرن الرابع هو المتنبي، أشهر شعراء عصره؛ فقد كان يشغف باستعارتها في شعره يحاول أن يغرب بها على سامعيه، وأن يأتي لهم بشوارد يتجادلون فيها ويختصمون.

وهو أحمد بن الحسين الْجُعفي نسبة إلى عشيرة جعفي اليمنية، ولد بالكوفة سنة ٣٠٣ للهجرة بِحَارة بني كندة لأسرة متواضعة، ولحظ أبوه فيه مخايل الذكاء؛ فألحقه بإحدى المدارس العلوية١، وبذلك اتصل مباشرة بتعاليم الشيعة. وحدث أن نهب القرامطة الكوفة سنة ٣١٢ فانتقل به أبوه إلى بادية السماوة بين العراق وتدمر وظل بها عامين٢ أتاحا له أن ينهل من ينابيع


١ خزانة الأدب: للبغدادي ١/ ٣٨٢.
٢ الصبح المنبي للبديعي ص٦ وانظر أنساب السمعاني ص٥٠٦ب.

<<  <   >  >>