وعلى هذا النحو تصبح صفة التلفيق أهم شيء يميز التفكير الفني، وقلما دخل جديد في الفن إلا تحويرًا من نوع هذا التلفيق الذي رأيناه في الشعر، وقلما أضيفت طرافة عقلية إلى الفن إلا ما قد يأتي به الشعراء من التصنع للثقافة أو محاولة هذا التعقيد الذي رأيناه -في أول هذا الفصل- عند الصاحب في قصائده، والثعالبي في رسائله، والمعري في لزومياته. وسنحاول في الفصول التالية أن نبسط ما أجملناه في هذا الفصل من وجوه ذلك التصنع؛ سواء ما كان من تصنع الشعراء للثقافة أم من تلفيقهم للخواطر والأفكار، أم من تعقيدهم للألفاظ والقوافي. وقد اخترنا المتنبي ومهيار والمعري لندرسهم دراسة مفصلة، حتى نطَّلع من خلال قصائدهم على ما أصاب الشعر من فنون هذا التصنع، ولعلهم أكثر الشعراء الذين حاولوا التجديد بعد القرن الثالث، ولذلك كان الباحث يجد عندهم مادة وافرة لدراسة مذهب التصنع في الشعر العربي وبيان طرائفه ونماذجه.