ذهب ابن المعتز يكثر من أوضاع هذه الصور والتشبيهات في شعره، ويفرط فيها إفراطًا شديدًا، حتى لتظهر في قصائده على هيئة صفوف متلاحقة؛ ففي كل جانب منها صورة أوتشبيه، وهي صور وتشبيهات ما يزال ابن المعتز يحاول أن يحدث بها طرافة في شعره؛ فهي كل ما يقدمه للفن من زينة وجمال. لم يضع ابن المعتز همَّه في إحداث تنويع واسع في زخرف شعره؛ فقد رفض الزخرف العقلي أو بعبارة أدق لم يستطع أن يستخدمه، وهو كذلك لم يستطع أن يستخدم جميع أوعية الزخرف الحسي؛ فقد انحاز إلى التشبيه، وذهب يطرز به قصائده، ويوشي به أبياته. وأظهر في براعة لم تُتَحْ لشاعر من قبله، وهل هناك أبرع من هذا التشبيه؛ إذ يقول:
فهذه صورة رائعة روعة شديدة لما أشاعه فيها جمال وبعث من نار، هي نار الوجنات أو هي نار الفن، وما أشبهها بهذه القطع من الشمس التي كان يلقيها الساقي في أقداح جماعته؛ إذ يقول:
وكأن كفيه تقسم في ... أقداحنا قطعًا من الشمسِ
كان ابن المعتز بارعًا في صنع الصور والتشبيهات، وهي براعة نرى آثارها في كل مكان من ديوانه، ومن الصعب أن نجمعها في حيز محدود في صحيفة أو صحف، ومع ذلك فمن المحقق أنه كلما جمع ناقد منها طائفة خرجت إليه أصباغ تحكي أصباغ الطيف أصباغ للون واحد؛ ولكنه لون معقد يعقده ابن المعتز، ويستخرج منه أوضاعًا متضاربة يشيع فيها النور والجمال والحياة، وانظر إلى قوله:
وزوبعةٍ من بناتِ الرياحِ ... تريك على الأرض شيئًا عجب