لم يستطع شعراء الأندلس أن يحدثوا مذهبًا فنيًّا جديدًا في الشعر العربي؛ فقد جمدوا غالبًا عند التقليد والصَّوغ على نماذج المشرق، وحقًّا أن الأندلس عاشت في ترف أحدث عندها اهتمامًا بشعر الطبيعة، كما أحدث عندها نهضة واسعة في الغناء وما يطوي من الموشحات والأزجال؛ غير أن صنيعهم في هذه الجوانب اقتصر على الشكل، ولم يتجاوزه إلى الصياغة العقلية والشعورية، فكل ما لهم في شعر الطبيعة إنما هو الكثرة، أما أفكارهم وأما طرقهم في الوصف ومناهجهم فكل ذلك يستعيرونه من المشرق استعارة وينقلونه نقلًا، وحتى ما نجده عندهم أحيانًا من التشخيص وبعث الشعور في الطبيعة قد تأثروا فيه العباسيين من أمثال أبي تمام وابن الرومي. ولعل الغناء وما تبعه من موشحات وأزجال هو الجانب الطريف في دراسة الشعر الأندلسي فقد سارعت الأندلس إلى العناية بالآداب الشعبية، ولكن ينبغي أيضًا أن لا نبالغ في ذلك، فإن هذه العناية لم تُحدث كما نقول تغييرًا في صياغة التفكير الفني عند الأندلسيين، إنما كل ما هناك أنهم يتخلصون من التقيد بالوزن، كما يتخلصون من التقيد بالقافية الواحدة وهذا كل ما عندهم من تجديد وهو تجديد شكلي اضطرتهم إليه ظروف الغناء، وحقًّا هم قد جددوا كثيرًا في الأوزان، ولكنا عرفنا في غير هذا الموضع أنهم سبقوا بذلك، سبقهم العباسيون إذ أوشكوا أن يغيروا صورة "الرُّقم الموسيقية" القديمة تغييرًا تامًّا، وإذن لا يبقى للأندلسيين في موشحاتهم سوى التجديد في القافية، وهو