للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل الرابع: التعقيد في التصنع]

[أبو العلا نشأته وحياته وثقافته]

...

الفصل الرابع: التَّعْقيدُ في التَّصنُّيعِ

أراني في الثلاثة من سجوني ... فلا تسأل عن الخبرِ النبيثِ

لفقدي ناظري ولزوم بيتي ... وكون النفس في الجسمِ الخبيثِ

أبو العلاء المعري

١- أبو العَلاءِ نشأتُهُ وحياتُهُ وثقافتُهُ:

رأينا الشعر عند مهيار يصبح ضربًا من التلفيق الخالص، وكأنما جمد الشعر العربي وأصبح من الصعب أن يتحول إلى طرائف جديدة إلا ما رأينا عند المتنبي من تصنعه لصيغ الثقافات المختلفة وما يطوي هذا التصنيع من تعقيد. ونحن لا نمضي بعد المتنبي إلى النصف الثاني من القرن الرابع ثم القرن الخامس حتى نجد شاعرًا شاميًّا يبلغ بهذا التعقيد غايته، وهو أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي المعروف باسم المعري نسبة إلى معرة النُّعمان، وهي بلدة بين حلب وحماة، وكان يكنى أبا العلاء، وذكر ذلك في شعره إذ يقول:

دُعيتُ أبا العلاء وذلك مَيْنٌ ... ولكنَّ الصحيح أبو النزُولِ

وقد ولد أبو العلاء سنة ثلاث وستين وثلاثمائة، ولم يبلغ الرابعة من عمره حتى اعتلّ علة الجدري التي ذهب فيها بصره، وأشار إلى ذلك في إحدى رسائله إلى داعي الدعاة؛ إذ يقول: "وقد علم الله أن سمعي ثقيل، وبصري عن الإبصار كليل، وقضي علي وأنا ابن أربع، لا أفرِّقُ بين البازل والرُّبع"١

وكان يقول: "لا أعرف من الألوان إلا الأحمر لأني ألبست في الجدري ثوبًا مصبوغًا بالعُصْفُر، لا علق غير ذلك"٢


١ معجم الأدباء: لياقوت "طبعة مرجليوث" ١/ ١٩٨. والربع: الفصيل، والبازل: البعير في تاسع سنيه.
٢ بغية الوعاة: للسيوطي "طبع مطبعة السعادة" ص١٣٦.

<<  <   >  >>