لعلنا نغلو إذا قلنا: إن المتنبي استطاع مع كل ما رأيناه عنده من ضروب تصنع مختلفة أن يحلق في أسمى أفق للشعر العربي، إذا كان لشعره -ولا يزال- حيوية وطلاوة وروعة تأخذ بالألباب على الرغم من هذا التصنع للإيماءات المذهبية والشواذ الموسيقية والشوارد النحوية؛ فقد كان لديه من المهارة الفنية ما يستطيع أن يخفي به سمات هذا التصنع وما ينطوي فيه من تكلف شديد؛ حتى ظن اليازجي في الفصل البديع الذي عقب به على ديوانه أن ما عند المتنبي من معجمات مستغلقة إنما يقتصر على القسم الأول من شعره الذي نظمه في الحداثة. وهذا وهم من اليازجي ومن لفَّ لفَّه فقد استمرت هذه المستغلقات في شعره حتى التنفسات الأخيرة من حياته، وغاية ما في الأمر أن مقدرة المتنبي على صوغ العبارة ونمو المقدرة على طول الزمن هو الذي يخفي على النقاد هذه الجوانب