رأينا الشعر العربي ينشأ في ظروف غنائية، وقد أخذ يظهر فيه منذ أواخر العصر الجاهلي نوع متميز يتكسب به الشعراء سميناه باسم الشعر التقليدي، وقد تطور في المذاهب الفنية التي وصفناها من صنعة وتصنيع وتصنع، ونحن لا نترك العصر الجاهلي إلى العصور التالية حتى يحدث تطور واسع في الغناء العربي وقواعده، تحدثه العناصر الأجنبية، فقد كان أكثر المغنين من الموالي وبخاصة الفرس والروم، وأدخل هؤلاء المغنون في الغناء العربي كثيرًا من النغم الأجنبي والألحان الأجنبية مما أعد للتغيير في الرُّقُم الموسيقية القديمة، وكان الشعراء يحورون في شعرهم ويجزئون تحت تأثير هذا التغيير، وما زالوا يحورون ويجزئون حتى تحرفت صورة الرقم الموسيقية القديمة من بعض الوجوه، وتولدت داخل هذا التحريف أوزان جديدة كأوزان المقتضب والمضارع والمجتث والمتدارك، وكأوزان أخرى أشرنا إليها في موضعها، غير أن أصحاب العروض أهملوها، فلم يقترحوا لها أسماء، ولم يعنوا بها عناية من شأنها أن تسجلها على الزمن.
ومضينا بعد بحث هذا الشعر الغنائي الخالص نبحث الموجات التي تعاقبت في الشعر العربي في أثناء العصر العباسي، فرأينا موجة الصنعة تستمر ثم يظهر بجانبها موجة جديدة من الزخرف والتصنيع، وأخيرًا تظهر موجة التصنع، فتعم الشعر العباسي ويعم معها تلفيق ولف ودوران كثير. وتتبعنا هذه الموجات في