رأينا الغناء يزدهر في العصر العباسي، وقد اشتهر فيه كثيرون من أمثال إبراهيم الموصلي وابنه إسحاق ومخارق وعَلَّوية، وأخذ يشاطر فيه أبناء الخلفاء من مثل إبراهيم بن المهدي وأخته عُلَيَّة. وكان المغنون المحترفون من جهة وأصحاب بيوت النخاسة من جهة ثانية يعنون جميعًا بتخريج جوارٍ مثقفات بهذا الفن الجديد الذي أقبلت عليه جميع الطبقات، وكان لذلك تأثير بعيد في الشعر والشعراء؛ فقد كان هؤلاء المغنون والمغنيات يغنون في الشعر الحديث: شعر بشار ومطيع بن إياس وأضرابهما، فينشرونه في العراق كما تنشره الجواري في البلاد العربية اللائي ينزلن بها. واندفع الشعراء ينظمون تلك المقطوعات، مثيرين فيها خواطر الحب وما يتصل به من لهو ومجون وعبث وخمر. واستمدوا فيها حقًّا من معاني القدماء؛ ولكنهم نوعوها وولدوا فيها توليدًا واسعًا. وكان من أهم بواعثهم على ذلك أنهم كانوا يقعون في حب كثيرات من الجواري؛ فكن يدفعنهم إلى النظم فيهن، وكن يُعِدْنه على أسماعهم بنغماتهن وأصواتهن الحلوة، فاسحاتٍ لهم في العبث والعشق والصبوة.
وعلى هذه الشاكلة لم يعد شاعر العصر العباسي يتغزل في المرأة الحرة كما كان الشأن غالبًا عند شعراء العصر الأموي؛ فقد خرجت تلك المرأة من سوق الغزل