للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحلَّ محلها الجواري والإماء، وكان ذلك سببًا في أن يخرج الشعراء عن دائرة العفة والطهر، أو قل عن دائرة الوقار والإجلال للمرأة إلى دائرة الإبحاية المسرفة والصراحة المكشوفة التي لا تعرف حياء ولا ما يشبه الحياء. وبذلك أصبحنا نفتقد في هذا العصر الشاعر العفيف؛ إلا ما كان من العباس بن الأحنف، وهو يعد شذوذًا على ذوق العصر وذوق إمائه وشعرائه.

ولعلنا لا ندعو الحق إذا قلنا أن بشارًا في البصرة ومطيع بن إياس في الكوفة هما اللذان دفعا الشعراء في هذ الاتجاه الإباحي المفرط في إباحيته، وعبثًا حَمل الوعاظ ورجال الدين في البصرة على بشار؛ فقد انتهى قليلًا واضطر إلى مغادرة بلده ثم عاد إليها مع الثورة العباسية، فأمعن في هذا الشعر الإباحي، حتى اضطر المهدي أن ينهاه عنه، وديوانه يزخر بأمثلته، كما تزخر به ترجمته في الأغاني من مثل قوله١:

لا خير في العيش إن دُمْنا كذا أبدًا ... لا نلتقي وسبيل الْمُلْتَقَى نَهَجُ٢

قالوا حرامٌ تلاقينا فقلت لهم ... ما في التلاقي ولا في قُبْلَةٍ حَرَجُ

وقوله٣:

فبتنا معًا لا يخلُصُ الماء بيننا ... إلى الصبح دوني حاجبٌ وستُور

وله وراء ذلك مقطوعات وقصائد لا نستطيع أن نسوقها لما فيها من فحش داعر وفجر فاجر٤، وكأنه كان من أهم من أتاحوا للغريزة النوعية أن تفصح عن نزواتها، وربما جاءه ذلك من فقده لبصره؛ فلم يكن يحس الحب إلا إحساسًا ماديًّا، عبر عنه تعبيرًا صريحًا في قوله٥:

أتتني الشمس زائرةً ... ولم تك تبرح الفلكا

تقول وقد خلوتُ بها ... تحدَّث واكفني يدكا


١ أغاني "طبعة دار الكتب" ٣/ ٢٠٠.
٢ نهج: واضح.
٣ المختار من شعر بشار للخالدين ص٢٤١.
٤ أغاني "طبعة دار الكتب" ٣/ ١٨٣. وانظر مختار الخالدين من ص٢٠١ -٢٥٤ وكذلك
ص١٠٦
٥ المختار من شعر بشار ص٦٤.

<<  <   >  >>