للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣- تصنُّعُ المتنبي لمصطلحاتِ التَّصوفِ وأفكارِهِ:

ليس من شك في أن ماسينيون كان بارعًا في محاولته تصوير أثر القرمطية والتشيع في عبارة المتنبي وأسلوبه وأفكاره، ونحن نظن ظنًّا أن المتنبي لم يكن قرمطيًّا ولا شيعيًّا، وإن تأثر بهما في جوانب مختلفة من شعره وأكبر الظن أنه كان للتصوف أثر في شعره أوسع من أثر التشيع، ومن يقرأ في ديوانه يجده يستوعب حيزًا واسعًا من خواطره وأفكاره. واقرأ هذه الأبيات التي يقولها في بعض ممدوحيه:

ذا السراجُ المنيرُ هذا النَّقيُّ الـ ... نجيب هذا بقيةُ الأبدالِ١

فخذ ماءَ رجلِه وانضحا في الـ ... مُدُنِ تأمنْ بوائقَ الزلزالِ٢

وامسحا ثوبَه البقيرَ على دائكما ... تشفيا من الأعلالِ٣

فإنك تحس بأنك إزاء شاعر صوفي يصوغ معانيه صياغة صوفية؛ أليس يمدح صاحبه، كما يمدح الصوفية أقطابهم فيجعله بقية الأبدال؟ يقول ابن خلدون: "إن الصوفية قالوا بترتيب وجود الأبدال بعد القطب كما قاله الشيعة في النُّقَباء"٤ ويقول العكبري: "الأبدال سموا أبدالًا؛ لأنهم أبدال الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-


١ النقي الجيب: الطاهر، الأبدال: عباد الصوفية.
٢ بوائق: دواهي.
٣ البقير: ثوب بدون أكمام من ثياب الصوفية.
٤ المقدمة ص٣٣٢.

<<  <   >  >>