٤- ألوانُ التصنيعِ العقليةِ لا تستوعَبُ ولا تتحولُ إلى فنٍ:
إذا رجعنا إلى استخدام الشعراء في هذه العصور لتلك الألوان العقلية القاتمة التي خلَّفها أبو تمام في صناعة الشعر وجدناهم يقصِّرون فيها تقصيرًا شديدًا، فإن شاعرًا لم يستطع أن يلائم بين عناصر الثقافات في قصيدة له على نحو ما رأينا في قصيدة عمورية؛ بل إننا لا نجد شاعرًا يستطيع أن ينهض بأصباغ الثقافة والفلسفة، كما تركها أبو تمام، ومن العبث أن نبحث عن شاعر بعده نوَّع بثقافته في أصباغ التصنيع وألوانه العقلية. كانت الثقافة تتحول إلى عجب من الفن عند أبي تمام، وكذلك كانت الفلسفة؛ غير أننا لا نتركه إلى القرن الرابع والقرون التالية حتى نحس كأنما انطمرت مناجم الثقافة والفلسفة، فلم يعد هناك نشاط عقلي واسع، ولم تعد الفلسفة تقوم من القصيدة مقام الظلال من الصورة، ولم تعد تدخل فيها على هذا النحو الغريب الذي كنا نجده عند أبي تمام؛ إذ نرى بعض ظلالها تتحول إلى ألوان مشرقة في شعره كلون نوافر الأضداد، وقد استخرج منه بدعًا كثيرًا.
ونحن لا نرتاب في أن القرن الرابع أوغَل في الفلسفة بأكثر مما أوغل القرن الثالث، فقد أخذ الشعراء يتصنعون لحكم أرسطو وأمثاله ينقلونها إلى الشعر كما سنرى عند المتنبي، بل نحن نجد في أواخر هذا القرن شاعرًا متفلسفًا هو المعري، وإذن فالفلسفة لم تنحسر ظلالها عن الشعر في هذا القرن، ولكن ليس