هذه الاستعارة الحسية التي كان يستعيرها المتنبي من الفلسفة من السهل أن يلاحظها كل باحث، وليست هي الشيء الذي نريد أن نقف عنده من تصنع المتنبي للفلسفة؛ إنما نريد أن نعرف أثر هذه الفلسفة في صياغته، نريد أن نعرف ما حدث من تغيير في باطن عباراته تحت تأثير الفكر الفلسفي، أو بعبارة أخرى نريد أن نعرف المركب الفني الفلسفي في شعره. وهذا المركب يحاول الباحثون أن يتعرفوا عليه من معرفة الأفكار المستعارة؛ غير أننا نرى أن هذه الوسيلة قاصرة، فإذا حاول باحث أن يتعرف على الحياة العقلية في العصر العباسي مثلًا؛ مما ترجم العرب كانت هذه المحاولة غير مجدية كثيرًا؛ لأنه لا يتبين هذه الحياة في اقتراح عربي أو صورة عربية؛ وإنما يتبينها في صورة أجنبية مترجمة، وكان عليه أن يتبينها في صورة التفكير العربي من داخله وما أصابه من تطور، فإنه من الممكن أن لا يكون العقل العربي أفاد كثيرًا مما ترجم، ولعل ترجماته لم تغير كثيرًا في أصول فكره وقواعد عقله. وهذا هو الذي جعلنا نقف في الفصل الثالث من الكتاب الأول من هذا البحث لنسأل إلى أي حد تطور فكر صانع الشعر في العصر العباسي، ولم نحاول أن نتبين ذلك من الترجمة للثقافات الأجنبية فقط، بل حاولنا أن نعرف ما أصاب العقل العربي من تطور في داخله، حتى إذا وصلنا إلى أبي تمام أحسسنا بأنه ليس رائدنا أن نعرف أثر الثقافة الفلسفية عنده من عبارات الفلاسفة وأفكارهم التي استعارها، بل طلبنا ذلك في استخدامه لبعض الألوان الفلسفية "كلون نوافر الأضداد" وقد أحاله لونًا فنيًّا جميلًا، وهنا تبينّا جانبًا من قابلية العقلية العربية للتفكير اليوناني، أو بعبارة أدق، عقلية أبي تمام، وما أصاب هذا التفكير عندها من تحول؛ فهي تقبله