كان مهيار أجنبيًّا عن اللغة؛ ولكن هذا الجانب لم يعطنا ثروة فكرية واسعة في شعره بل كان شأنه شأن غيره يلفق قصائده على طريقة الشعراء الذين عاصروه وجاءوا من بعده، وهو تلفيق لا يعتمد عنده على الثقافة كما رأينا عند المتنبي؛ إنما هو تلفيق داخلي إن صح هذا التعبير، إذ نرى الشعراء عاجزين عن التجديد إلا في حدود ما سبقهم من أفكار وخواطر، وهم لذلك ما يزالون يتناقلونها فيما بينهم، حتى يحدثوا لأنفسهم تلك النماذج التي كانوا يسمونها قصائد، ومن السهل أن يقرأ الإنسان لأي شاعر في تلك العصور ويرد ما يقرؤه إلى من سبقه من الشعراء، وحقًّا قد يستعين بعضهم على إخفاء هذا الجانب عنده بما يحققه لنفسه من الأسلوب العربي الأصيل كما نجد عند الشريف الرضي؛ ولكنا لا ننتقل إلى تلميذه مهيار حتى يكشف لنا كشفًا واضحًا عن تلك المهارة الحديثة في الفن العربي، وذلك أنه كان يعمد إلى تطويل نماذجه، فانبسطت الأبيات واتضح التلفيق، وانظر إلى هذه الفكرة عند المتنبي:
وهي فكرة أخذها عن أبي تمام؛ ولكنه أبقى لها حدة الأسلوب العربي إذ أخرجها في بيت واحد دون أن يتكلف التطويل؛ غير أننا لا نصل إلى مهيار حتى نراه يعرضها في أبيات كثيرة، وما فائدة الزمن وما فائدة التطور الذي أصاب الشعر العربي بعد القرن الثالث، إن لم يلفق الشاعر من البيت الواحد القديم أبياتًا كثيرة حديثة، وانظر كيف تحولت هذه الفكرة عند مهيار إلى تلك الأبيات: