للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هل عند هذا الطَّلَلِ الماحِلِ ... من جَلَدٍ يُجِدي على سائلِ

أصمُّ، بل يسمعُ؛ لكنَّهُ ... من البلى في شُغُلٍ شاغلِ

وقفتُ فيه شبحًا ماثلًا ... مرتفدًا من شبحٍ ماثِلِ

ولا ترى أعجبَ من ناحلٍ ... يشكو ضنا الجسمِ إلى ناحلِ

لهفَكِ يا دارُ ولهفي على ... قَطينِك المحتمِل الزَّائلِ٢

قلبيَ للأَحْزانِ بعد النَّوى ... وأنتِ للسَّافي وللنَّاخلِ٣

مثلُكِ في السُّقمِ ولي فضلةٌ ... بالعقلِ والبَلوى على العَاقِلِ

فإنك ترى أن أساس الفكرة في هذه الأبيات هو أنه رسم يبكي رسْمًا، وهي فكرة المتنبي بل هي فكرة أبي تمام من قبله، وكل ما جاء به مهيار من جديد أنه عمد إلى التطويل والتفصيل؛ ولكن ألا يشعر القارئ على الرغم مما وفِّق إليه مهيار من إحكام الصوت في هذه القطعة أن الأبيات لا تبلغ من التأثير ما يريده لها مهيار؛ فقد تقاربت الأفكار وأصبح الأسلوب هادئًا ليس فيه عنف العاطفة ولا حدة التعبير الأصيل في الشعر، أصبح كأنه أسلوب نثر؛ فهو يعتمد على المقارنة والتفصيل. وهو يعتمد أيضًا على شيء آخر يفسده، وهو ما فيه من تكرار للألفاظ، وهو تكرار لم نتعوَّده في الشعر قبل القرن الرابع؛ إذ يدنو به إلى حال من الابتذال، قد لا تبدو واضحة في تلك القطعة، ولكن ارجع إلى ديوان مهيار، فستراها منتشرة هناك، وستراها تصيب شعره بضروب من الركاكة والإسفاف، وهل تستريح الأذن في تلك القطعة نفسها إلى كلمة "الفضلة" أو كلمة "البلوى" ومثلهما كثير في شعر مهيار؛ إذ كان يدخل فيه كلمات كثيرة غير شعرية، حتى ليصبح أصلًا في قصائده أن تنتشر في نسيجها تلك الرقع التي لا تكسبها جمالًا إلا جمالًا غير شعري، وانظر إلى فكرة ضلال القلب وراء الحبيب، وهي فكرة معروفة من قبله، وقد أعجب بها مهيار، وذهب يلفق منها أبياتًا كثيرة في ديوانه كأنه يقول:


١ مرتفدًا: طالبًا للرفد وهو العطاء.
٢ القطين: السكان. المحتمل: الراحل.
٣ السافي والناخل: الرياح.

<<  <   >  >>