إذا رجعنا إلى عصر بني أمية وجدنا الكوفة والبصرة أهم مصرين عربيين تصطدم فيهما اللغة العربية باللغات الأجنبية؛ فقد كان سكانها أخلاطًا من العرب والموالي فرسًا وغير فرس. وحقًّا كان هؤلاء الموالي يتعربون، ولكنهم كانوا يجدون عناءً شديدًا من نظام الإعراب والتصريف في العربية، ولعل ذلك ما جعل هاتين المدينتين تبادران إلى وضع قواعدهما، حتى لا يضل الموالي في شعابهما الوعثة. ولم يكن هذا كل ما عانوه؛ فقد كانوا يعانون أيضًا من لكناتهم وما يضطرون إليه من تكيف عضوي لمخارج الحروف ينجحون فيه أحيانًا، وأحيانًا يفشلون، فكان من الصعب عليهم مثلًا أن ينطقوا بحروف الإطباق التي لا يعرفونها في لغاتهم أو ينطقوا بالعين أو بالحاء، وكان ذلك يصيب ألسنتهم بضروب مختلفة من اللثغات. وكان ينزلق إلى العربية على ألسنتهم كثير من الألفاظ الدخيلة التي أخذت تعرّب، تارة عن النبطية التي كان يتحدث بها سكان السواد في العراق وتارة عن الفارسية التي كانت منتشرة بين سكان الكوفة والبصرة، ويعرض علينا الجاحظ في بيانه مدى تأثيرهما في عربية البلدتين.