إذا تركنا أبا تمام إلى غيره من شعراء التصنيع في القرن الثالث وجدناهم لا ينهضون بتلك الثروة الزخرفية التي خلفها في صحائف ديوانه؛ فقد انحازت كثرتهم عن هذا الطريق الوعر الذي اتخذه من المزاوجة بين العقل ومحسنات اللفظ، ولذلك لم يعد يظهر ما يشبه نوافر الأضداد. فقد وقف الشعراء غالبًا عند الزخرف الحسي، زخرف الجناس والطباق والتصوير.
ولعل خير شاعر نجده في هذا الجانب هو عبد الله ابن الخليفة المعتز بالله "٢٥٢- ٢٥٥هـ"، وقد ولد في عام ٢٤٧ للهجرة ونُشِّئ في الحلية والزينة، وعاش معيشة مترفة ناعمة، وأكبَّ منذ حداثته على الأدب واللغة يأخذهما عن أعلام عصره مثل: المبرد وثعلب وأحمد بن سعيد الدمشقي. ويظهر أنه لم يُعْنَ بالثقافات الأجنبية إلا قليلًا، وقد ذكر لنا مواد ثقافته في شعر يخاطب به مؤدبه