تغنَّ بالشِّعر إما كنت قائله ... إنَّ الغِنَاءَ لِهَذَا الشِّعْر مِضْمَار
حسان بن ثابت
١- الشعر العربي نشأ نشأة غنائية:
رأينا أن صناعة الشعر توفَّر لها في العصور القديمة من الخصائص والصفات والقيود والمصطلحات ما جعلنا نزعم أن الشعراء كانوا يتكلفون جميعًا في نماذجهم؛ فهم يصدرون في عملهم وحرفتهم عن جهد فني اصطلحنا على تسميته باسم "الصنعة" وقد رأينا آثار هذا الجهد في تصويرهم، وكان يرافقه جهد آخر في موسيقى شعرهم وما يوفرون لها من قيم صوتية كثيرة، وبخاصة في "الشعر الغنائي" فقد كان للغناء الذي صاحبه تأثير واسع في تغيير أوزان الشعر العربي وأوضاعها القديمة.
وأكبر الظن أننا لا نأتي بجديد حين نزعم أن شعرنا العربي نشأ نشأة غنائية كغيره من أنواع الشعر الأخرى؛ فمن المعروف أن الموسيقى كانت ترتبط بالشعر منذ نشأته، نرى ذلك عند اليونان القدماء، فهوميروس كان يغني شعره على أداة موسيقية خاصة، ونرى ذلك عند الغربيين المحدثين؛ فقد كانت توجد في العصور الوسطى جماعات تؤلف الشعر وتغنيه وهي المعروفة باسم تروبادور "Troubadours" وكان عندنا في مصر إلى عهد قريب جماعات "الأدباتية" وهي جماعات تؤلف الشعر وتنشده على بعض الآلات الموسيقية، ولا يزال "الشاعر" معروفًا في الريف، وهو يلقي أشعار أبي زيد الهلالي وعنترة وغيرهما، مضيفًا إلى إنشاده الضرب على أداته الموسيقية المعروفة باسم "الرَّبابة".