لم يكن البحتري يعتمد في شعره على فلسفة وثقافة يعقدان في أدواته، وكان يعرف ذلك من نفسه، كما كان يعرفه معاصروه، وتلوَّموه من أجله فرد عليهم بقوله:
كلفتمونا حدودَ منطقِكُم ... والشعرُ يغني عن صدقِهِ كذبُهْ
ولم يكن ذو القروحِ يلهجُ بالـ ... منطق ما نوعه وما سببُهْ
والشعرُ لَمْحٌ تكفي إشارتُه ... وليس بالهذرِ طوِّلت خطبُهْ
ولكن أحقًّا ما يقول البحتري من أن الشعر لا يحتاج فلسفة ولا منطقًا؟ إن وقائع الفن المادية في العصر العباسي لا تتفق وهذا القول؛ فقد دخلت الفلسفة والمنطق في صناعة الشعر وعقَّدا في وسائله وأدواته هذا التعقيد الذي رأينا وجها من وجوهه عند أبي تمام، ولا ينفع البحتري استشهاده بامرئ القيس، حقًّا أن امرأ القيس لم يكن يعرف فلسفة ولا منطقًا، ولكن هل يمكن تطبيق ذلك على العصر العباسي؟ إن امرأ القيس تثقف بالثقافة التي عاصرته، وهي لم تشفع