إذا ذهبنا نتعقب الشعر العربي الحديث وجدنا نهضة واسعة تأخذ به من جميع أطرافه، وقد بدأ هذه النهضة شعراء مصر الحديثة يقودهم فيه البارودي. وهي نهضة لا تعد في صورتها العامة ثورة على القديم، بل هي تتصل به اتصالا شديدًا، إذ نرى الشعراء يعودون بالشعر العربي إلى رونقه الذي نعرفه في العصر العباسي. فقد تركوا هذا الشعر الركيك الذي نعرفه للمصريين في العصر العثماني كما تركوا شعر الخشاب والساعاتي ومن إليهما ممن كانوا ينظمون في مفتتح العصر الحديث، إذ كان شعرهم أيضًا غثًّا مسفًّا، وأخذوا يرتفعون بشعرهم إلى آفاق عليا.
غير أنه ينبغي ألا نبالغ في ذلك، فإن حركة التجديد والنهضة عندنا وخاصة في أواخر القرن الماضي وأوائل هذا القرن لم تكن واسعة، بل كانت ضيقة تعتمد أكثر ما تعتمد على إحياء القديم وبعثه، فهي حركة بعث وإيقاظ، ورجوع بالشعر إلى تعبيره القديم، ولعله من أجل ذلك لم تختلف صورة الشعر عند البارودي وتلامذته كثيرًا عن الصور القديمة، فقد استمدوا أفكارهم وأخيلتهم ومعانيهم من القدماء، إذ ذهبوا يستَنُّون بمناهجهم ويحتذون على أمثلتهم. ومن يرجع إلى ديوان البارودي يجده يقلد جميع الشعراء العباسيين والجاهليين والإسلاميين، فهو يعارض النابغة وأبا نواس والبحتري والشريف الرضي والمتنبي وأبا العلاء؛ ولكن مع هذا نراه يخرج بالشعر من نطاق صفوت الساعاتي والخشاب،