للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا النطاق الذي هو أشبه ما يكون بكراريس التطبيق، إلى نطاق جديد فيه حقًّا تقليد، ولكن فيه أيضًا جدة وبراعة، وإذا تركنا البارودي إلى شوقي زعيم الشعر المصري الحديث وجدناه مثل أستاذه البارودي ينحو نحو تقليد القدماء، ولذلك كانت تكثر عنده معارضة الشعراء السابقين من مثل أبي نواس وأبي تمام والبحتري وابن زيدون، ولعل في هذا ما يدل على أن النهضة الفنية في الشعر المصري كانت نهضة بعث وإحياء، حقًّا قد يقول حافظ:

آنَ يا شعرُ أن نفُكَّ قيودًا ... قيَّدَتنا بها دعاةُ المحالِ

ولكن حافظًا وإخوانه لم يفكوا عن فنهم أفعى التقليد. والذي لا ريب فيه أن شوقي أكثرهم تجديدًا، فقد حاول أن يحدث ضربًا من الشعر التمثيلي على نحو ما نعرف في روايات مصرع كليوباترا ومجنون ليلى وقمبيز، إلا أن هذه المحاولة لم تبلغ الذورة عنده لأسباب كثيرة، أهمها أنه لم يدرس تاريخ المسرح الأوربي، فلم يتجه بشعره التمثيلي إلى أوزان جديدة ولا أحكم إخراجه لأبطال رواياته، وبدا الضعف في جوانب من عمله المسرحي، ووجد بجانب ذلك ضرب من الشعر في السياسة والآثار والحياة الحديثة، كأن ينظم الشعراء في الخلافات الحزبية أو في الفرعونيات أو في الطيارات والغواصات ولكن الشعر لم يتحرر بذلك تمامًا من القديم؛ لأن هذا التجديد لا يقوم على مذهب موضوع ومنهج مرسوم، بل إننا نرى الشاعر يجمع ديوانه ويقدمه للمطبعة فلا يعرف كيف يقدم له، ولذلك نراه يستعين ببعض الكتاب يكشفون له عن خصائصه التي لا يحسها هو في نفسه ولا في فنه، إذ هو في الواقع لم يكتب ديوانه ليعبر عن فلسفة في الحياة، أو حب للطبيعة، أو إيمان بعقيدة خاصة، إنما هي قصائد قيلت في مناسبات مختلفة، ثم جمعت في شكل ديوان، وقد يجدد الشاعر فيأتي بقصيدة في السياسة أو في الاختراعات الحديثة، وهو تجديد لا يقوم على نشر مذهب حديث في الأدب ولا إحداث ثورة في موضوعاته ومعانيه.

وهذا الجانب عند شعرائنا يجعلنا نذكر الشعراء الغربيين، إذ نرى

<<  <   >  >>