للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما مرَّ بنا في غير هذا الموضع عند مطيع بن إياس: طليعة اللهو الماجن في الكوفة وتبعته جماعته هناك من أمثال والبة والحمادين الثلاثة: حماد عجرد، وحماد بن الزِّبْرقان، وحماد الراوية. وكان بشار في البصرة لا يتغنى بالخمر فحسب؛ بل أكثر ما يتغنى به وصف ما يدور بين المرأة والرجل من علاقات حسية. ثم ظهر أبو نواس والحسين بن الضحاك الخليع وجيلهما فبلغوا من تصوير اللهو والمجون والشذوذ كل مبلغ، وكأن الحياة لم يعد فيها إلا العبث والفجور والاختلاف إلى الحانات ودور القيان، رَوَى الأغاني أنه اجتمع يومًا أبو نواس والحسين بن الضحاك وأبو العتاهية وهم مخمورون، فقالوا أين نجتمع؟ فقال القراطيسي:

ألا قوموا بأجمعكم ... إلى بيت القراطيسي

لقد هَيَّا لنا النزل ... غلام فاره طوسي

وقد هَيَّا الزجاجات ... لنا من أرض بلقيس

وقيناتٍ من الحور ... كأمثال الطواويس١

وكان بيت القراطيسي من بيوت القيان الكبيرة التي كان يجتمع فيها الشعراء، ومثله بيت ابن رامين٢ وبيوت أخرى كثيرة كانت لياليها كأنها أعراس، يحتفل فيها الشعراء بحبهم وبمجونهم وإثمهم، فإن تركوها فإلى ليالي يحيونها في بيوت الأعيان والأشراف بين السماع والعزف والقصف والخمر والعواطف الشاذة وغير الشاذة، ومن خير ما يصور هذا المجتمع الماجن قصيدة أبي العتاهية٣:

لهفي على الزمن القصير ... بين الخورنق والسَّدير٤

إذ نحن في غُرَف الجنا ... ن نعوم في بحر السُّرور

في فتية ملكوا عِنا ... ن الدهر أمثالِ الصقور


١ أغاني "طبعة الساسي "٢٠/ ٨٩.
٢ أغاني "طبعة الساسي" ١٣/ ١٢٢.
٣ أغاني "طبعة دار الكتاب" ٤/ ٦٠.
٤ الخورنق والسدير: قصران تروى الأساطير أن النعمان الأكبر بناهما بالقرب من الكوفة.

<<  <   >  >>