للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهي وثنه وصنمه، وذهب يعلن في جرأة أن هذا الصنم هو الذي ينبغي أن يقف به الشعراء ويطوفوا حوله، لا حول الأطلال والنساء والبدويات؛ فقد تغيرت الحياة وخَلَف تلك النساء جوارٍ حسان تشع منهن الفتنة والإغراء، ومن قوله في ذلك١:

لا تَبْكِ ليلى ولا تَطْرَبْ إلى هند ... واشرب على الورد من حمراء كالوَرْد

كأسًا إذا انحدرت في حَلْق شاربها ... أجْدَتْه حمرتها في العين والخد٢

فالحمر ياقوتةٌ والكأسُ لؤلؤةٌ ... في كف جاريةٍ ممشوقة القَدِّ

تسقيك من طَرْفها خمرًا ومن يدها ... خمرًا فمالك من سُكرين من بُدِّ

ولا يزال يصف الخمر وسقاتها وندمانها وكئوسها ودناتها ومجالسها وما بها من أزهار وريحان وقيان وغلمان. وتحدث في غير خمرية إلى أصحاب حاناتها من اليهود والمجوس والنصارى، وأفاض في وصف خمر الأديرة ورهبانها وراهباتها، وكان يكثر من الإلمام بدير حَنَّة، وفيه يقول٣:

يا دير حَنَّةَ من ذات الأكَيْراح ... من يَصْحُ عنك فإني لست بالصاحي

رأيت فيك ظباءً لا قرون لها ... يَلْعَبن منا بألبابٍ وأرواح

ومما يميزه في خمرياته تنويعه في معانيها وإحكامه لتأليفها حتى لتبدو الوحدة العضوية تامة في كثير من مقطوعاتها، وفي أثناء ذلك يعبر عن شغفه بها وذكرياته لها على شاكلة قوله٤:

ودار نَدامى عطَّلوها وأدْلَجُوا ... بها أثرٌ منهم جديدٌ ودارسُ٥

مساحبُ من جَرِّ الزِّقاق على الثَّرَى ... وأضغاثُ ريحان جَنِيٌ ويابس٦

حبستُ بها صحبي فجددت عهدهم ... وإني على أمثال تلك لحابس

أقمنا بها يومًا ويومًا وثالثًا ... ويومًا له يوم التَّرَحُّل خامس


١ طبقات ابن المعتز ص٧٣.
٢ أجدته: أعطته.
٣ الديارات النصرانية في الإسلام لحبيب زيات "طبع بيروت" ص٢٢.
٤ طبقات ابن المعتز ص٢٠٦.
٥ أدلجوا: ساروا الليل كله أو آخره.
٦ الزقاق: جمع زق، وهو دن الخمر، أضغاث: أخلاط.

<<  <   >  >>