وامرؤ القيس لا يكتفي بهذه الأوصاف فنحن نراه يعود إلى تشبيه خاصرة الفرس بخاصرة الظبي، وساقه بساق النعامة، ثم لا ينسى أن يتحدث عن عَدْوِهِ وسرعة انطلاقه مرة أخرى؛ فهو كالذئب أو كالثعلب في الوثب السريع. ثم ينتقل فيقول: إنه مكتنز أملس كالحجر يُسْحَقُ عليه الطيب أو كالحنظلة في ملاستها وبريقها، وقد امتزجت دماء الصيد على صدره كأنها الحناء تمتزج بالشيب.
ألا ترى إلى هذه الكثرة الغامرة من الصور والخيالات التي أحكمها امرؤ القيس في تصويره، وهي كثرة تجعلنا نؤمن بقول النقاد إنه قَرَّبَ مأخذ الكلام فقَيَّد الأوابد وأجاد الاستعارة والتشبيه١. وفي هذه المطولة وغيرها من شعر امرئ القيس أمثلة مختلفة للطباق والجناس، وهي -وإن كانت قليلة- تدل على أن الشاعر الجاهلي كان يستخدم من حين إلى حين بعض المحسنات المعنوية واللفظية التي عرفت في العصر العباسي، وأكْثَرَ الشعراء من استخدامها. وفي المفضليات قصيدة لعبد الله بن سلمة الغامدي يكثر فيها من زخرف الجناس كثرة مفرطة. ولعل في ذلك ما يدل على أن الفكرة التي تعودنا أن نفهم بها الشعر القديم والتي تذهب إلى أنه خال من الصنعة فكرة غير صحيحة؛ فإن هذا الشعر ينزع به صاحبه إلى ضرب من الجمال في التعبير؛ إذ يملؤه بالصور والتشبيهات، ويطلب أن يعجب به الناس من حوله وأن يقع منهم موقعًا حسنًا، موقع الثياب الملونة، أو الثياب اليمنية المنمَّقة.
على أننا لا نصل إلى أواخر العصر الجاهلي، عند زهير وأضرابه، حتى نجدهم، -على نحو ما سنرى بعد قليل- يعقِّدون في هذا الجانب الفني من التصوير بما يودعون فيه من ضروب مهارة كثيرة.