يا يوم وقعة عمورية انصرفت ... منك المنى حفَّلًا معسولة الحلبِ١
أبقيت جد بني الإسلام في صعد ... والمشركين ودار الشرك في صبب٢ِ
أمّ لهم لو رجوا أن تُفتدى جعلوا ... فداءها كل أمّ برة وأبِ
وبرزة الوجه قد أعيت رياضتها ... كسرى وصدَّت صدودًا عن أبي كربِ٣
من عهد إسكندر أو قبل ذلك قد ... شابت نواصي الليالي وهي لم تشبِ
بكرٌ فما افترعتها كفُّ حادثة ... ولا ترقَّت إليها همة النُّوب٤
حتى إذا مخض الله السنين لها ... مخض البخيلة كانت زبدة الحقب٥
أتتهم الكربة السوداء سادرةً ... منها وكان اسمها فرَّاجة الكربِ ٦
جرى له الفألُ نحسًا يوم أنقرة ... إذ غودرت وحشة الساحات والرُّحبِ
لما رأت أختها بالأمس قد خربت ... كان الخراب لها أعدى من الجرب
كم بين حيطانها من فارس بطلٍ ... قاني الذوائب من آني دم سرب٧
بسنَّة السيف والحناء من دمه ... لا سنة الدين والإسلام مختضبِ٨
لقد تركت أمير المؤمنين بها ... للنار يومًا ذليل الصَّخرِ والخشب٩
غادرت فيها بهيم الليل وهو ضحى ... يشلُّه وسطها صُبحٌ من اللهبِ١٠
حتى كأنَّ جلابيب الدُّجى رغبت ... عن لونها أو كأن الشمسَ لم تَغِبِ
ضوء من النارِ والظلماء عاكفة ... وظلمة من دخانٍ في ضحى شَحِبِ
فالشمسُ طالعةٌ من ذا وقد أفلت ... والشمس واجبةٌ في ذا ولم تَجِبِ١١
١ الحفل: جمع حافل، وهي الناقة التي حفل ضرعها باللبن. الحلب: ما يحلب منه. معسولة: يخالطها العسل.
٢ الجد: الحظ. الصبب: الانحدار.
٣ البرزة: الحسنة الوجه الجميلة، وكسرى: ملك فارسي، وأبو كرب: ملك يمني.
٤ افترعتها: افتضتها
٥ المخض: رج اللبن لتستخرج زبدته، وعادة يكون مخض البخيلة أشد.
٦ الكربة السوداء: المصيبة العظيمة، سادرة: مظلمة، أو سادلة.
٧ قاني الذوائب: أحمر الضفائر، آني: حار، سرب: سائل.
٨ ليس خضابهم بالحناء كما في سنة الإسلام؛ وإنما هو خضاب بدمائهم.
٩ عبّر عما فعلته النار بعمورية بذلة الصخر والخشب.
١٠ غادرت: ركت، البهيم: الليل لا ضوء فيه. يشله: يطرده.
١١ واجبة: غاربة، وأفلت: غربت
