لا لكافور وأمثاله من الممدوحين، ولذلك كنا نراه يحاول الإغراب بشعره وأساليبه، وكان يطلب هذا الإغراب ويحققه لنفسه في صور مختلفة من التفلسف والتصوف والتشيع. وأخيرًا في تلك الصور الغريبة من الألفاظ اللغوية النادر التي يريد أن يروع بها أساتذة اللغة والغريب؛ فإذا هو يأتيهم بمثل "تفاوح" السابقة أو بمثل "جفخت" في قوله:
فقد كان يستطيع أن يضع مكانها فخرت؛ ولكنه كان يريد الإعراب في اللفظ، حتى يثبت مهارته وتفوقه في اللغة. ولعله من أجل ذلك كان يصوغ الأراجيز يحاكي بها رؤبة والعجاج وأبا النجم وأضرابهم، وما يزال يكثر فيها من الغريب كثرة مفرطة. ولم يقف عند هذا الجانب بل طلب الشواذ في الحروف وبناء الأسماء وكأنه لم يترك لغة شاذة في حرف أو اسم إلا جلبها في شعره. وقد يكون من الطريف أن نتعقبه في شوارده اللُّغوية؛ فمن ذلك استعماله للكيذبان بدلًا من الكذاب والتَّوْراب بدلًا من التراب؛ ومن ذلك أن يجمع كوبًا على أكوب، وبوقًا على بوقات، ودارًا على أدؤر، وأرضًا على أروض، وعينًا على أعيان، وأخًا على إخاء ومن ذلك أن يأتي "بربَّتَما" بدلًا من "ربما" و"أيما" بدلًا من "إما" و"أولاك" بدلًا من "أولئك"، و"اللذ" بدلًا من "الذي" و"هنَّك" بدلًا من "إنك" و"هلمِّنَّا" بدلًا من "هلموا" إلى غير ذلك من لغات شاذة، ولولا خوف الإملال لأكثرنا من إحصاء هذه اللغات وعرضناها في أشعاره، ولكنها كثيرة في ديوانه، ويمكن الرجوع إليها، وهي أكثر من أن ندلَّ عليها.
على أن هذا التصنع اللُّغوي يلفتنا إلى تصنع آخر لعله أكثر تعقيدًا، وهو تصنع للأساليب الشاذة؛ فقد كان عالِمًا بالنحو ومشاكله، وكان كوفي المذهب، فنقل كثيرًا من التراكيب الشاذة التي روتها الكوفة وخالفت بها على البصرة، واعتمدها في صنع قصائده ونماذجه، وكان ذلك يعد غريبًا على الناس في