للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العربية، وصار إذا أراد التعبير عن فكرة جاءها من بعيد وبعد لفٍّ طويل؛ فانكشفت عيوبه في التلفيق. على أنه يحسن بنا أن نشير إلى أن مهيار استحوذ على إعجاب كثير ممن عاصروه وجاءوا من بعده واستمر ذلك إلى عصرنا الحديث، وأكبر الظن أنه يحسن أن لا يسرف المعجبون به على أنفسهم، فيتخذوه مثلًا من أمثلة البلاغة العربية؛ لأنه يضل التعبير العربي الدقيق، واقرأ له هذه القطعة.

يالُواة الديون هل في قضايا الـ ... حسن أن يَمْطُلَ الغنيُّ الفقيرا

لي فيكم عهدٌ أُغيرَ عليهِ ... يومَ سلعٍ ولا أسمِّي المغيرا١

احذروا العارَ فيهِ، والعارُ أن يمـ ... سي ذمامي في رعيهِ مخفورا

أو فردُّوا على حيرانَ أعْشَى ... ناظرًا فقد أخذتموه بَصِيرا

أنا ذاك اعتبدتُ قلبي وانفقـ ... تُ دموعي عليكُمُ تبْذِيرا

فاحفظوا في الإسارِ قَلْبًا تمنَّى ... شَغَفًا أن يموتَ فيكم أَسِيرا

وقتيلًا لكم ولا يشتكِيكُمْ ... هل رأيتم قبلي قتيلًا شكورا

ولعل القارئ شعر بغرابة هذه العهود التي يغار عليها وتسلب؛ فنحن نعرف أن العهود تنقض، أما أن يغار عليها وتسلب فهذا تعبير جديد غير مألوف؛ ولكن مهيار يريد التجديد في التعبير، بل هو فارسي قد ينسى الكلمة الأصيلة في اللغة. وانظر بعد ذلك فسترى التلفيق واضحًا، إذ يعمد إلى التفصيل في أفكاره والاتساع في عباراته، ولذلك كان يكثر عنده الحشو والإسهاب الممل؛ وما هذا العار الذي يذكره مجملًا ثم يفصله؟ وانظر إلى البيت الرابع وما فيه من تقديم الصفات على الموصوف. وليس ذلك كل شيء فيه بل انظر إلى القافية كيف اجتلبت لتكميل البيت، لقد اجتلبت هي وما دخلت فيه من تعبير كما اجتلبت قافية البيت الثاني وتعبيرها. والحق أن هذه الأبيات وألفاظها جميعًا مجتلبة، أو هي بعبارة أدق ملفقة أريد بها أن تحدث نموذجًا


١ سلع: جبل في المدينة.

<<  <   >  >>