نحس بأنه لشاعر يقيم في نجد أوفي الحجاز؛ فدائمًا صاحبته أمامه أو الرَّباب أو لمياء أو سعدى، ودائمًا هي من سكان: مِنَى أو الخِيف أو قباء أو سَلْع، وهو لذلك يكثر من ذكر الأماكن الحجازية والنجدية من مثل: أُحد وجُمَع وسَلَم ونُعمان والألال والمحصَّب وإضم وزمزم، إلى جَمٍّ من هذه الأمكنة التي تُنْشَر في مطالع قصائده، وهو إلى ذلك ما يزال يعنى بالحديث عن الأطلال عناية شديدة. وقد يعجب الإنسان لمزاوجة مهيار بين ميوعته في غزله وبين ارتفاعه بهذا الغزل عن حياته المتحضرة إلى الحياة المبتدية وما فيها من شظف العيش وخشونة الحياة، وحقًّا إن ذلك يشعر بشيء من التناقض عنده؛ غير أنها حالة عامة انتشرت في الشعر العربي لهذه العصور وعرفت عند مهيار وغيره كالمتنبي، وكان يعنى في نسيبه مثله بالبدويات على نحو ما مر بنا في الفصل السابق.
وأكبر الظن أن هذه الحال من التبدي في الغزل تسربت للشعراء من تأثرهم بأساليب المتشيعة والمتصوفة في شعرهم الخاص، إذا كان هؤلاء ينحون بغزلهم منحى بدويًّا، يعبرون فيه بالأماكن النجدية والحجازية، وكأنهم يريدون أن يعطوه بذلك ضربًا من العبادة والقداسة، وهم لذلك يتشبثون خاصة بالأماكن المقدسة في الحجاز. وقد ربطنا سابقًا بين المتنبي وأساليب المتصوفة؛ أما مهيار فقد رأينا في أول هذا الفصل أنه كان متشيعًا بل كان من غلاة الرافضة، وقد نحا بغزله هذا المنحى الذي يعبر فيه هذا التعبير الواسع عن حبه، على الرغم مما قد يظن بأن هذه العناصر البدوية تقيد في خواطره وأفكاره. والحق أنها أعطت للغزل عند مهيار وعند غيره من الشعراء ضربًا من الاتساع في التعبير عن الوجدان والعاطفة، وماذا نطلب في الغزل؟ ألسنا نطلب التعبير عن الحب والعواطف؟ وهو تعبير ليس من الضروري له أن يرتبط بحياة الشعراء الحاضرة؛ إنما هي العاطفة ينوِّع الشعراء في التعبير عنها، هم قد يعبرون بعناصر حاضرة، وقد يرجعون إلى عناصر قديمة تشع منها ضروب مختلفة من المشاعر والأحاسيس.
ولعل من الغريب أن نجد جماعة من النقاد المعاصرين يتلومون من يذهب