من التشاؤم يعمه نقد شديد للحياة الاجتماعية، وبيان لما في الدنيا من آلام وتفكير في حقائق الحياة والموت. وليس من شك في أننا إذا أردنا أن نبحث عن أصول الأفكار في اللزوميات وجدناها جميعًا عند المتنبي على نحو ما مر بنا في غير هذا الموضع.
وإذن فموضوع اللزوميات ليس جديدًا وما نرى فيها من تشاؤم ودعوة إلى الزهد في الحياة وسرد للحكم والعظات، كل ذلك ليس جديدًا خالصًا؛ فقد وجد قبل أبي العلاء؛ غير أن من الحق أن نشهد بأنه كبَّره ووسعه واستطاع أن يخرجه في ديوان خاص به يؤلفه على الحروف الهجائية، ويملؤه بهذا التشاؤم الواسع وما ينطوي فيه من وصف للدنيا بأنها دار آلام وعذاب؛ وقد ذهب يستعرض الحياة فيها من جميع جوانبها وينقدها نقدًا ساخرًا في جرأة وصراحة صريحة كأن يقول في نقد الحياة السياسية:
وأرى ملوكًا لا تحوط رعيةً ... فعلام تؤخذُ جزيةٌ ومكوسُ
ظلموا الرعية واستجازوا كيدَها ... فعدوا مصالحاها وهم أجَرَاؤها
فإذا ترك الحياة السياسية نظر في الحياة العامة للناس وما يسودها من رياء ونفاق وما يعمها من حب للمادة، وما ينطوي فيها من شر؛ فإذا هو ساخط على الدنيا والناس من حوله سخطًا شديدًا، وإذا هو ينقلب عليهم حنقًا مغيظًا يذمهم ويذم الدنيا معهم ذمًّا شنيعًا، كأن يقول:
يَحسُنُ مَرأى لِبَني آدَمٍ ... وَكُلُّهُم في الذَوقِ لا يَعذبُ
أَفضَلُ مِن أَفضَلِهِم صَخرَةٌ ... لا تَظلِمُ النَّاسَ وَلا تَكذِبُ